بقلم أحمد أمين
6 رمضان سنة 1357
هذه مقالات نشر بعضها في مجلة «الرسالة» وبعضها في مجلة «الهلال» وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك. استحسنت أن أجمعها في كتاب؛ لا لأنها بدائع أو روائع؛ ولا لأن الناس ألحوا علي في جمعها، فنزلت على حكمهم، وائتمرت بأمرهم؛ ولا لأنها ستفتح في الأدب فتحا جديدا لا عهد للناس به؛ ولكن لأنها قطع من نفسي أحرص عليها حرصي على الحياة، وأجتهد في تسجيلها إجابة لغريزة حب البقاء، وهي - مجموعة - أدل منها مفرقة، وفي كتاب أبين منها في «أعداد».
ثم لعلي أقع على قراء مزاجهم من طبيعة مزاجي، وعقليتهم من جنس عقلي، وفنهم من فني، يجدون فيها صورة من نفوسهم وضربا من ضروب تفكيرهم، فيشعرون بشيء من الفائدة في قراءتها، واللذة في مطالعتها، فيزيدني ذلك غبطة ويملؤني سرورا.
بعض هذه المقالات وليد مطالعات هادئة، وبعضها نتيجة عاطفة مائجة، وكلها تعبيرات صادقة.
أصدق كاتب في نظري من احتفظ بشخصيته، وجعل أفكاره وعواطفه تمتزج امتزاجا تاما بأسلوبه، وخير أسلوب عندي ما أدى أكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض والتواء، وراعك بجمال معانيه أكثر مما شغلك بزينة لفظه، وكان كالغانية تستغني بطبيعة جمالها عن كثرة حليها.
ولم يكن لي شرف إدراك هذه الغاية، ولكن كان لي شرف السير في سبيلها.
الرأي والعقيدة
فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده؛ إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك.
ذو الرأي فيلسوف، يقول: إني أرى الرأي صوابا وقد يكون في الواقع باطلا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم وقد تقوم الأدلة على عكسه غدا، وقد أكون مخطئا فيه وقد أكون مصيبا. أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم وهي الحق غدا، خرجت عن أن تكون مجالا للدليل، وسمت عن معترك الشكوك والظنون.
ناپیژندل شوی مخ