الرأي والعقيدة
الكيف لا الكم
صديق
مشروع مقالة
أدب القوة وأدب الضعف
من غير عنوان
الإشعاع
حلقة مفقودة
شاعر
الذوق العام
ناپیژندل شوی مخ
كيف يرقى الأدب؟
بين اليأس والرجاء
سيبويه المصري
القلب
الجامعة كما أتصورها
سلطة الآباء
والراديو أخيرا!
عدو الديمقراطية
الموت والحياة1
الضحك
ناپیژندل شوی مخ
سيدنا
نعمة الألم
ديمقراطية الطبيعة
ما فعلت الأيام
لذة الشراء
صندوق الكتاكيت
الأحنف بن قيس
أكاذيب المدنية
المصالحة
المادة لا تنعدم
ناپیژندل شوی مخ
نجار ونجار
عاطف بركات
محضر جلسة
أدبنا لا يمثلنا
ولود وعقيم
مقياس الرقي
كتابة المقالات
الراحة في التغيير
في المسجد
منطق اللغة
ناپیژندل شوی مخ
ظاهرة وتعليلها
أمس وغدا
ما نعلم وما لا نعلم
فى رأس البر
بين الصحف والكتب
إلى أخي الزيات1
إنسان ناجح
امتيازات من نوع آخر
علي بك فوزي
الشمس
ناپیژندل شوی مخ
الرجولة في الإسلام
قيمة الثقافة
الرجل والمرأة
فن الحكم
مقياس الشباب
نظرة في النجوم
صفحة سوداء
هما
الصدق في الأدب
لحظات التجلي
ناپیژندل شوی مخ
أدب اللفظ وأدب المعنى
ندرة البطولة
السكون في الظلام
ملق القادة
اللون الأصفر
الليل
فقدان الثقة
كيمياء الأفكار والعواطف
في الحر
الشخصية
ناپیژندل شوی مخ
ثروة تضيع
النقد الأدبي
الرأي والعقيدة
الكيف لا الكم
صديق
مشروع مقالة
أدب القوة وأدب الضعف
من غير عنوان
الإشعاع
حلقة مفقودة
ناپیژندل شوی مخ
شاعر
الذوق العام
كيف يرقى الأدب؟
بين اليأس والرجاء
سيبويه المصري
القلب
الجامعة كما أتصورها
سلطة الآباء
والراديو أخيرا!
عدو الديمقراطية
ناپیژندل شوی مخ
الموت والحياة1
الضحك
سيدنا
نعمة الألم
ديمقراطية الطبيعة
ما فعلت الأيام
لذة الشراء
صندوق الكتاكيت
الأحنف بن قيس
أكاذيب المدنية
ناپیژندل شوی مخ
المصالحة
المادة لا تنعدم
نجار ونجار
عاطف بركات
محضر جلسة
أدبنا لا يمثلنا
ولود وعقيم
مقياس الرقي
كتابة المقالات
الراحة في التغيير
ناپیژندل شوی مخ
في المسجد
منطق اللغة
ظاهرة وتعليلها
أمس وغدا
ما نعلم وما لا نعلم
فى رأس البر
بين الصحف والكتب
إلى أخي الزيات1
إنسان ناجح
امتيازات من نوع آخر
ناپیژندل شوی مخ
علي بك فوزي
الشمس
الرجولة في الإسلام
قيمة الثقافة
الرجل والمرأة
فن الحكم
مقياس الشباب
نظرة في النجوم
صفحة سوداء
هما
ناپیژندل شوی مخ
الصدق في الأدب
لحظات التجلي
أدب اللفظ وأدب المعنى
ندرة البطولة
السكون في الظلام
ملق القادة
اللون الأصفر
الليل
فقدان الثقة
كيمياء الأفكار والعواطف
ناپیژندل شوی مخ
في الحر
الشخصية
ثروة تضيع
النقد الأدبي
فيض الخاطر (الجزء الأول)
فيض الخاطر (الجزء الأول)
مقالات أدبية واجتماعية
تأليف
أحمد أمين
مقدمة
ناپیژندل شوی مخ
بقلم أحمد أمين
6 رمضان سنة 1357
هذه مقالات نشر بعضها في مجلة «الرسالة» وبعضها في مجلة «الهلال» وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك. استحسنت أن أجمعها في كتاب؛ لا لأنها بدائع أو روائع؛ ولا لأن الناس ألحوا علي في جمعها، فنزلت على حكمهم، وائتمرت بأمرهم؛ ولا لأنها ستفتح في الأدب فتحا جديدا لا عهد للناس به؛ ولكن لأنها قطع من نفسي أحرص عليها حرصي على الحياة، وأجتهد في تسجيلها إجابة لغريزة حب البقاء، وهي - مجموعة - أدل منها مفرقة، وفي كتاب أبين منها في «أعداد».
ثم لعلي أقع على قراء مزاجهم من طبيعة مزاجي، وعقليتهم من جنس عقلي، وفنهم من فني، يجدون فيها صورة من نفوسهم وضربا من ضروب تفكيرهم، فيشعرون بشيء من الفائدة في قراءتها، واللذة في مطالعتها، فيزيدني ذلك غبطة ويملؤني سرورا.
بعض هذه المقالات وليد مطالعات هادئة، وبعضها نتيجة عاطفة مائجة، وكلها تعبيرات صادقة.
أصدق كاتب في نظري من احتفظ بشخصيته، وجعل أفكاره وعواطفه تمتزج امتزاجا تاما بأسلوبه، وخير أسلوب عندي ما أدى أكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض والتواء، وراعك بجمال معانيه أكثر مما شغلك بزينة لفظه، وكان كالغانية تستغني بطبيعة جمالها عن كثرة حليها.
ولم يكن لي شرف إدراك هذه الغاية، ولكن كان لي شرف السير في سبيلها.
الرأي والعقيدة
فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده؛ إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك.
ذو الرأي فيلسوف، يقول: إني أرى الرأي صوابا وقد يكون في الواقع باطلا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم وقد تقوم الأدلة على عكسه غدا، وقد أكون مخطئا فيه وقد أكون مصيبا. أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم وهي الحق غدا، خرجت عن أن تكون مجالا للدليل، وسمت عن معترك الشكوك والظنون.
ناپیژندل شوی مخ
ذو الرأي فاتر أو بارد، إن تحقق ما رأى ابتسم ابتسامة هادئة رزينة، وإن لم يتحقق ما رأى فلا بأس، فقد احترز من قبل بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب. وذو العقيدة حار متحمس لا يهدأ إلا إذا حقق عقيدته؛ هو حرج الصدر، لهيف القلب، تتناجى في صدره الهموم، أرق جفنه وأطال ليله، تفكيره في عقيدته، كيف يعمل لها، ويدعو إليها؛ وهو طلق المحيا مشرق الجبين، إذا أدرك غايته، أو قارب بغيته.
ذو الرأي سهل أن يتحول ويتحور، هو عبد الدليل، أو عبد المصلحة تظهر في شكل دليل. أما ذو العقيدة فخير مظهر له ما قاله رسول الله: «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته»، وكما يتجلى في دعاء عمر: «اللهم إيمانا كإيمان العجائز».
لقد رووا عن «سقراط» أنه قال: «إن الفضيلة هي المعرفة». وناقشوه في رأيه، وأبانوا خطأه، واستدلوا بأن العلم قد يكون في ناحية والعمل في ناحية، وكثيرا ما رأينا أعرف الناس بمضار الخمر شاربها، وبمضار القمار لاعبه؛ ولكن لو قال سقراط: إن الفضيلة هي العقيدة، لم أعرف وجها للرد عليه: فالعقيدة تستتبع العمل على وفقها لا محالة - قد ترى أن الكرم فضيلة ثم تبخل؛ والشجاعة خيرا ثم تجبن؛ ولكن محال أن تؤمن بالشجاعة والكرم، ثم تجبن أو تبخل.
العقيدة حق مشاع بين الناس على السواء، تجدها في السذج، وفي الأوساط، وفي الفلاسفة - أما الرأي فليس إلا للخاصة الذين يعرفون الدليل وأنواعه، والقياس وأشكاله؛ والناس يسيرون في الحياة بعقيدتهم، أكثر مما يسيرون بآرائهم؛ والمؤمن يرى بعقيدته ما لا يرى الباحث برأيه، وقد منح المؤمن من الحواس الباطنة والذوق ما قصر عن إدراكه القياس والدليل.
لقد ضل من طلب الإيمان بعلم الكلام وحججه وبراهينه ، فنتيجة ذلك كله عواصف في الدماغ أقصى غايتها أن تنتج رأيا؛ أما الإيمان والعقيدة فموطنهما القلب، ووسائلهما مد خيوط بين الأشجار والأزهار والبحار والأنهار وبين قلب الإنسان؛ ومن أجل هذا كانت
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت
أفعل في الإيمان من قولهم: «العالم متغير وكل متغير حادث»؛ فالأول عقيدة والثاني رأي.
الناس إنما يخضعون لذي العقيدة، وليس ذوو الرأي إلا ثرثارون، عنوا بظواهر الحجج أكثر مما عنوا بالواقع، لا يزالون يتجادلون في آرائهم حتى يأتي ذو العقيدة فيكتسحهم.
قد يجود الرأي، وقد ينفع وقد ينير الظلام، وقد يظهر الصواب؛ ولكن لا قيمة لذلك كله ما لم تدعمه العقيدة، وقل أن تؤتى أمه من نقص في الرأي، ولكن أكثر ما تؤتى من ضعف في العقيدة، بل قد تؤتى من قبل كثرة الآراء أكثر مما تؤتى من قلتها.
الرأي جثة هامدة، لا حياة لها ما لم تنفخ فيها العقيدة من روحها، والرأي كهف مظلم لا ينير حتى تلقي عليه العقيدة من أشعتها، والرأي مستنقع راكد يبيض فوقه البعوض؛ والعقيدة بحر زاخر لا يسمح للهموام الوضيعة أن تتولد على سطحه؛ والرأي سديم بتكوس، والعقيدة نجم يتألق.
ناپیژندل شوی مخ
ذو الرأي يخضع للظالم وللقوي؛ لأنه يرى أن للظالم والقوي رأيا كرأيه، ولكن ذا العقيدة يأبى الضيم ويمقت الظلم؛ لأنه يؤمن أن ما يعتقده من عدل وإباء هو الحق، ولا حق غيره.
من العقيدة ينبثق نور باطني يضيء جوانب النفس، ويبعث فيها القوة والحياة، يستعذب صاحبها العذاب، ويستصغر العظائم، ويستخف بالأهوال؛ وما المصلحون الصادقون في كل أمة إلا أصحاب العقائد فيها.
الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات، ويصغي لأماني الجسد، ويثير الشبهات، ويبعث على التردد؛ والعقيدة تقتحم الأخطار، وتزلزل الجبال، وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ، وتنسف الشك والتردد؛ وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لمراد الروح.
ليس ينقص الشرق لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة؛ فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه وحال حاله ، وأصبح شيئا آخر.
وبعد ، فهل حرم الإيمان مهبط الإيمان؟
الكيف لا الكم
روي أن ابن «سينا» كان يسأل الله أن يهبه حياة عريضة وإن لم تكن طويلة؛ ولعله يعني بالحياة العريضة حياة غنية بالتفكير والإنتاج؛ ويرى أن هذا هو المقياس الصحيح للحياة؛ وليس مقياسها طولها إذا كان الطول في غير إنتاج؛ فكثير من الناس ليست حياتهم إلا يوما واحدا متكررا، برنامجهم في الحياة: أكل وشرب ونوم؛ أمسهم كيومهم، ويومهم كغدهم؛ هؤلاء إن عمروا مائة عام فابن سينا يقدره بيوم واحد؛ على حين أنه قد يقدر يوما واحدا - طوله أربع وعشرون ساعة - بعشرات السنين إذا كان عريضا في منتهى العرض؛ فقد يوفق المفكر في يومه على فكرة تسعد الناس أجيالا، أو إلى عمل يسعد آلافا؛ فحياة هذا - وإن قصرت - تساوي أعمار آلاف، بل قد تساوي عمر أمة؛ لأن العبرة بالكيف لا بالكم.
وليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
ولعل ساعة اجتمع فيها أقطاب الأمم الأربعة، فانتهوا فيها إلى السلم، وأنقذوا أرواح الملايين من البشر، ومنعوا من الكوارث ما لا يعلم هوله إلا الله، خير آلاف آلاف من سنين صرفت في التسلح وما إليه.
ناپیژندل شوی مخ
وتقدير الأشياء بالكيف لا بالكم، منزلة لا يصل إليها العقل إلا بعد نضجه. أما الطفل في نشأته، والأمة في طفولتها، فأكثر ما يعجبهما الكم؛ فالريفي خير «الخيار» عنده ما كبر حجمه وبيع بالكوم، والمدني خير «الخيار» عنده ما نحف جسمه وكان «كالقشة» وبيع بالرطل. والطفل وأشباهه يرغبون بكثرة العدد لا بجودة الصنف؛ فحيثما مررت في الشارع أو زرت متجرا رأيت أكثر الترغيب بالكم «فأربعون ظرفا وجوابا بتعريفه»، و«دستة أقلام رصاص بصاغ»، وهكذا؛ وسبب هذا أن البيع والشراء يعتمدان على أدق قوانين علم النفس، والباعة من أعرف الناس بهذه القوانين التي تتصل بعقلية الجمهور؛ فهم يعلمون أنهم أكثر تقويما للكم، وأكثر انخداعا بالعدد؛ فهم يأتونهم من نواحى ضعفهم وموضع المرض منهم، وقل أن يرغبوهم في الشيء بأنه من «العال» أو «عال العال»؛ لأن هذا تقدير للكيف، وليس يقدره إلا الخاصة.
وكل إنسان قد مر بدور الطفولة، والأمم جميعها مرت كذلك بهذا الدور؛ فعلق بأذهانهم تقدير الكم، ولم يستطيعوا أن يتحرروا منه مهما ارتقوا؛ وأصبحوا - حتى الخاصة منهم - ينخدعون بالكم من غير شعور وبلا وعي؛ وصار هذا مرضا ملازما، إنما يتحرر منه الفلاسفة وإلى حد. ألا ترانا نرى الرجل الضخم حسن الهيئة جميل الطلعة فنمنحه الاحترام ولو لم نعرف قيمته؛ ونرى الرجل صغير الجسم غير مهندم الثياب فنحتقره أول وهلة من غير أن نعرفه؛ وأساس معاملتنا بالإجمال احترام ذوي المظاهر الجميلة حتى يثبت العكس، واحتقار ذوي المظاهر الوضيعة حتى يثبت العكس، وليس ذلك إلا من خداع الكم؛ ولو أنصفنا لوقفنا على الحياد من الجميع حتى نتبين الكيف.
ونرى ذا العمامة الكبيرة واللحية الطويلة، فنعتقد فيه العلم والدين، مع أنه لا علاقة بين كبر العمامة وطول اللحية وبين العلم والدين؛ وإن كانت ثمة علاقة فعلاقة الضدية؛ لأن الدين محله القلب، والعلم موطنه الدماغ؛ وإذا ملئ القلب دينا والدماغ علما احتقر المظهر وأبى أن يدل على دينه أو علمه بمظهر خارجي؛ بل هو إن امتلأ دينا وعلما أنكر على نفسه الدين والعلم، واعتقد أنه أبعد ما يكون عما ينشده من دين وعلم؛ وكذلك الشأن في اللباس الجامعي واللباس الكهنوتي.
وقديما أدرك العرب خداع الكم، فقالوا: «ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الد خل».
وقال شاعرهم:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسد مزير
1
ويعجبك الطرير فتبتليه
فيخلف ظنك الرجل الطرير
ناپیژندل شوی مخ
وفي كل شأن من شئون الحياة، وضرب من ضروب العلم والفن ترى خداع الكم.
فالمؤلفون يعلنون عن كتبهم أنها في أربعمائة صفحة - مثلا - من القطع الكبير، والمتعلمون كثيرا ما باهوا بكثرة ما قرأوا، والكتاب
بكثرة ما كتبوا؛ والصحافة كثيرا ما خدعت القراء بالكم، فكان مما اصطنعته زيادة عدد الصفحات في الجرائد والمجلات، مع أن الصفحات وحدها كم، ولا قيمة لها ما لم يصحبها الكيف. وكم أتمنى أن أرى جريدة أو مجلة ترغب قراءها بالكيف فقط، وإن كنت أجزم بأن مصيرها الفشل؛ لأن أكثر الناس لم يمنحوا - بعد - ميزان الكيف.
وقد جرت كثرة الصفحات في الجرائد والمجلات إلى تحوير الأسلوب إلى ما يناسبها؛ فكان الأسلوب أحيانا كالعهن المنفوش، يصاغ منه في صفحة ما يصح أن يصاغ في عمود، وفي عمود ما يصح أن يصاغ في سطر واحد - ولست أدري لم كان الناس إذا أرسلوا برقية، تخيروا أوجز الألفاظ لأغزر المعاني؛ ولم يفعلوا من ذلك شيئا في كتبهم ورسائلهم ومقالاتهم؛ ولعلهم يفعلون ذلك؛ لأن الكلمات في البرقية تقدر بالقروش، وليس كذلك فيما عداها - إن كان هذا هو السبب دل على تقدير القرش أكثر مما يقدر زمن القارئ والكاتب؛ وفي هذا منتهى الشر، وفي هذا أقسى مثل لغفلة الناس في تقدير الكم لا الكيف.
وقديما عرض علماء البلاغة للكيف والكم في الأدب، وسموها اسما خاصا هو الإيجاز والإطناب؛ وعدوا الإيجاز أشرف الكلام؛ والإجادة فيه بعيدة المنال؛ لما فيه من لفظ قليل يدل على معنى كثير، ومثلوا للإيجاز والإطناب بالجوهرة الواحدة بالنسبة إلى الدراهم الكثيرة؛ فمن ينظر إلى طول الألفاظ يؤثر الدراهم لكثرتها، ومن ينظر إلى شرف المعاني يؤثر الجوهرة الواحدة لنفاستها، ولا يعدل عن الإيجاز إلى الإطناب إلا لإيضاح معنى أو تأكيد رأي.
والحق أن الأدب العربي في هذا الباب من خير الآداب، فأكثر ما صدر في عصوره الأولى حبات من المطر تجمعت من سحاب منتشر، أو قطرات من العطر استخلصت من كثير من الزهر.
وبعد، فلست أحب أن تكون كتابتنا كلها برقيات، وإذا لعدمنا ما للأسلوب من جمال، وما لتوضيح الفكرة وتجليتها وتحليتها من قيمة؛ وإنما أريد أن يكون المعنى هو القصد وهو المقياس، فإن أطنبنا فللمعنى، وإن أوجزنا فللمعنى.
وأريد أن يقوم الناس الكيف للكيف، وإذا قدروا الكم فللكيف. ولعل من ألطف ما كان أني حين بلغت هذا الموضع من مقالاتي أخذت أعد صفحات ما كتبت، فوجدتها قليلة العدد، فآلمني ذلك؛ لأني لم أبلغ ما حذرت أن يكون، وفرحت بهذه الملاحظة؛ لأنها سدت فراغا في المقالة، يكمل بعض ما فيها من قصر. ألسنا جميعا عباد (كم)، أوليس هذا من نوع تقدير الخيار «بالكوم»؟
صديق
لي صديق، اصطلحت عليه الأضداد، وأتلفت فيه المتناقضات، سواء في ذلك خلقه وخلقه وعلمه.
ناپیژندل شوی مخ