نقصت في الرجل ما أكملته في المرأة، ونقصت في المرأة ما أكملته في الرجل، وقوت في الرجل ما أضعفته في المرأة، وقوت في المرأة ما أضعفته في الرجل.
فحيثما وجدت نقصا في المرأة فاطلب كماله في الرجل، وحيثما وجدت نقصا في الرجل فاطلب كماله في المرأة.
فالمرأة والرجل كلفقي الثوب تزيد في أحدهما ما تنقصه في الآخر، وتنحرف في أحدهما انحرافا يهيىء مكانا للآخر، أو ككل شيء فيه «عاشق ومعشوق» يعد كل منهما إعدادا يجعله صالحا للآخر، أو كطاقة الزهرة لا تجمل إلا حيث تتعدد الألوان وتتناسق، أو كفرقة الموسيقى يكمل الطبل ما نقصه المزمار، ويكمل المزمار ما نقصه الطبل، ولا تجمل الموسيقى إلا بهما معا.
فإذا رأيت في الرجل حبا في التعميم رأيت في المرأة حبا في التخصيص. هي تحب في العلم المثال الجزئي، وهو يحب القاعدة الكلية. هي إذا تكلمت عن المنزل تكلمت عن منزلها وقارنته بمنازل صديقاتها، وأما هو فسرعان ما يطفر إلى ذكر قاعدة عامة. وهي إذا تكلمت في الحب تكلمت في حبها أو حب مثيلاتها، وهو إذا تكلم في ذلك انتقل سريعا إلى وضع قوانين للحب؛ فنظرتها - على العموم - نظرة جزئية نفاذة، ونظرته - على العموم - نظرة شاملة وقد لا تكون دقيقة. وإذا تكلم هو عن الجمال كفكرة مجردة تكلمت هي عن فلانة الجميلة أو فلان الجميل. وإذا قال هو: ما أحسن السماء! قالت هى: ما أجمل القمر؟
ومن أجل هذا كانت المرأة في العمليات خيرا من الرجل. وكان الرجل في النظريات خيرا من المرأة.
فلست ترى فلاسفة من النساء في الطبقة الأولى؛ لأن الفلسفة أساسها التعميم وهي لا تحسنه، وأساسها النظريات وهي لا تجيدها. وأهم أبوابها ما وراء المادة، والنظر الجزئي يتطلب المادة. قد تجد طالبات فلسفة، وقد تجد حائزات لشهادات فلسفية، ولكن قل أن تجد فيلسوفة خالقة لنظريات فلسفية، فذلك ليس من طبعها عادة.
هي تحسن تدبير المال أكثر مما يحسن الرجل، فلو أعطى مال للمتعلمات وأعطى نظيره للمتعلمين لكان الأغلب الأرجح أن تحسن المرأة استعماله أكثر من الرجل، ولا تنفقه في مشروعات خيالية كما يفعل الرجل، ولا تقامر به؛ لأن المقامرة نوع من المشروعات الخيالية، ولا تفنيه إفناء سريعا اعتمادا على ما يأتي به المستقبل كما يفعل الرجل؛ لأنه أكثر نظريات، وأوسع خيالا، وهي أحسن تقديرا للواقع وأقرب آمالا.
والأمر في الخيال كالأمر في النظريات، فالنظريات تحتاج إلى فرض يخلقه الخيال؛ ولذلك كان الرجل أوسع خيالا وأبعد مرمى وأكثر تحليقا في السماء. ومصداق ذلك نظرة إلى الشعراء، والشعر ميدان الخيال وقريب الصلة بالفلسفة. والمرأة لا تحسن الشعر كما لا تحسن الفلسفة، فإن فتشت في الأدب العربي فقل أن تجد امرأة كالخنساء، ومع هذا فما الخنساء وما شعرها؟ إن هي إلا ندابة مؤدبة لم تحسن القول إلا في رثاء أخويها. وأكثر ما روي عن النساء في الشعر إنما هو من قبيل الرثاء القريب الخيال. وهو ليس إلا بكاء على فقيد جزئي محسوس صيغ في قالب شعري محدود؛ فأما ما عدا هذا الضرب من الأدب فلم تنل منه حظا كما نال الرجل. وهذا في الأدب الغربي كما هو في الأدب العربي، وجدت فيه شاعرات ولكنهن، قليلات، ولسن مع ذلك من أرقى صنف.
وليس هذا مما يمس مكانة المرأة في شيء. فكلتا النغمتين من الميل إلى الواقع والخيال لا بد منه في هذا العالم، فإن سبق الرجل بنظرياته وخياله فهو في حاجة إلى امرأة تذكره بالواقع، وتحد من إمعانه في الوهم وإسرافه في الخيال؛ فهو يبني وهي تحافظ على ما بنى، وهو سفينة وهي صبارتها، وهو من الخيالة وهي من الرجالة، وهو يطير وهي تمشي في تؤدة. وكل لا بد منه في جيش الحرب، وكل لا بد منه في جيش العالم. هو يتقدم الجيش فيصاب في الصف، وهي تعنى به ممرضة في المستشفى. هو يتقدم في الحياة ويخاطر ويجمع المال، وهي تدبر وجوه إنفاقه. فهو له السلطان الأكبر خارج البيت؛ لأن ذلك مجال المخاطرة والنظريات والخيال، وهي لها السلطان الأكبر في البيت؛ لأنه مجال التجربة العلمية والنظريات الجزئية والخيال المحدود.
هن محافظات غالبا، وهم أحرار غالبا، فالثورات الاجتماعية والدينية والسياسية من الرجال أولا - لا من النساء - حتى طلب تحرير المرأة كان من قاسم أمين - أولا - قبل أن يكون من السيدة هدى شعراوي؛ ولعل ذلك في غير كما هو في مصر؛ الأنبياء رجال لأن النبوة دعوة والدعوة ثورة. والعالم مدين في المحافظة على الدين للنساء أكثر مما هو مدين للرجال؛ لأن المحافظة من طبعهن. والإلحاد في الرجال أكثر منه في النساء؛ لأن الإلحاد ثورة أيضا. والثورات السياسية وليدة الرجال؛ لأنها وليدة الخيال، وهن يكرهن الثورة ويكرهن الخيال. قد تحسن المرأة الثورة على الأزياء، فكل يوم نمط في الأزياء جديد: شعر طويل بعد شعر قصير، وثوب طويل بعد ثوب قصير، وقبعات أشكال وألوان، وملابس وأوضاع أنماط وأنماط، ولكن تسمية هذه ثورة من قبيل قولهم: سهام العين وفتك اللحظ وقتل المحب ونار الجوى وحرقة الفراق.
ناپیژندل شوی مخ