في النفس وأبلغ في فهم المتعلم. و"حق الله على العباد" هو ما يستحقه عليهم. و" حق العباد على الله " معناه أنه متحقق لا محالة؛ لأنه قد وعدهم ذلك جزاء لهم على توحيده ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ ١.
قال شيخ الإسلام: كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة، كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول: لا معنى للاستحقاق، إلا أنه أخبر بذلك ووعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقا زائدا على هذا، كما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٢ لكن أهل السنة يقولون: هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب على نفسه الحق، لم يوجبه عليه مخلوق. والمعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على المخلوق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك، وهذا الباب غلطت فيه الجبرية والقدرية أتباع جهم، والقدرية النافية.
قوله: "قلت: الله ورسوله أعلم" فيه حسن الأدب من المتعلم، وأنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول ذلك، بخلاف أكثر المتكلفين.
قوله: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" أي يوحدوه بالعبادة. ولقد أحسن العلامة ابن القيم ﵀ حيث عرف العبادة بتعريف جامع فقال:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
"ومداره بالأمرأمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان٦ "
_________
١ سورة الروم آية: ٦.
٢ سورة الروم آية: ٤٧.
٣ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٥٦)، ومسلم: الإيمان (٣٠)، والترمذي: الإيمان (٢٦٤٣)، وأحمد (٥/٢٢٨،٥/٢٣٠) . ٤ يعني أن الخصومة إنما وقعت بين النبي ﷺ وبين المشركين في تحقيق "لا إله إلا الله" المكونة من جملتين: إحداهما نفي والثانية إثبات. فالأولى تنفي كل الآلهة التي يدعيها الناس. والثانية تثبت الإلهية لله وحده. يعني ينبغي أن يكفر بكل معبود لتخلص العبادة لله.
٥ سورة الكافرون آية: ٣.
٦ في قرة العيون:
حق الإله عبادة بالأمر لا ... بهوى النفوس فذاك للشيطان
من غير إشراك به شيئا هما ... سبب النجاة فحبذا السببان
لم ينج من غضب الله وناره ... إلا الذي قامت به الأصلان
والناس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. ليس على الله حق واجب بالعقل كما تزعم المعتزلة. لكن هو سبحانه جعل ذلك على نفسه تفضلا وإحسانا على الموحدين المخلصين الذين لم يلتفتوا في إرادتهم ومهماتهم ورغباتهم ورهباتهم إلى أحد سواه، ولم يتقربوا بما يقولونه ويعملونه من الطاعات إلا إليه وحده والله أعلم.
1 / 27