محتاج إليهم، بل هم الفقراء في جميع أحوالهم وهو خالقهم ورازقهم. وقال علي ابن أبي طالب ﵁ في الآية: " إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي"؟. وقال مجاهد: "إلا لآمرهم وأنهاهم" اختاره الزجاج وشيخ الإسلام. قال:
ويدل على هذا قوله: ﴿أَيَحْسَبُ الأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ ١. قال الشافعي: "لا يؤمر ولا ينهى". وقال في القرآن في غير موضع: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾، فقد أمرهم بما خلقوا له وأرسل الرسل بذلك. وهذا المعنى هو الذي قصد بالآية قطعا، وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه.
قال: وهذه الآية تشبه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ﴾ ٢. ثم قد يطاع وقد يعصى. وكذلك ما خلقهم إلا لعبادته، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون، وهو سبحانه لم يقل: إنه فعل الأول: وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم. الثاني: وهو عبادته، ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثاني، فيكونوا هم الفاعلين له، فيحصل لهم بفعله سعادتهم ويحصل ما يحبه ويرضاه منه ولهم. انتهى. ويشهد لهذا المعنى: ما تواترت به الأحاديث.
فمنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك ﵁ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
" يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا وما فيها ومثلها معها أكنت مفتديا بها؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك - أحسبه قال: ولا أدخلك النار - فأبيت إلا الشرك " ٣ فهذا المشرك قد خالف ما أراده الله تعالى منه: من توحيده وأن لا يشرك به شيئا، فخالف ما أراده الله منه فأشرك به غيره. وهذه هي الإرادة الشرعية الدينية كما تقدم.
فبين الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في حق المخلص المطيع، وتنفرد الإرادة الكونية القدرية في حق العاصي. فافهم ذلك تنج من جهالات أرباب الكلام وتابعيهم.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٤. قال: وقوله: " ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ "
_________
١ سورة القيامة آية: ٣٦.
٢ سورة النساء آية: ٦٤.
٣ رواه الإمام أحمد والبخاري.
٤ سورة النحل آية: ٣٦.
1 / 15