فتح الباقي بشرح ألفية العراقي
فتح الباقي بشرح ألفية العراقي
پوهندوی
عبد اللطيف هميم وماهر الفحل
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الطبعة الأولى
د چاپ کال
۱۴۲۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
= وللحافظ ابن حجر محاولةٌ جيّدةٌ في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة: «وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضّبط، متّصل السّند غير معللٍ ولا شاذٍ: هو الصّحيح لذاته ... فإن خفّ الضّبط، فالحسن لذاته». النخبة: ٢٩، ٣٤. وهي محاولة جيدةٌ. وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده. وحدّوا الحسن لذاته: بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ». وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط، وراوي الحسن لذاته خفيف الضبط. وسمّي حسنًا لذاته لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه، لا نتيجة شيء خارج عنه. وقد تبين لنا: أنّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث، فأخطأ في بعض ما روى، وتوبع على أكثر ما رواه؛ فراوي الحَسَن: الأصل في روايته المتابعة والمخالفة وَهُوَ الذي يطلق عَلَيْهِ الصدوق، لأنّ الصدوق هُوَ الذي يهم بَعْض الشيء فنزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق. فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه. أما التي لم نجد لها متابعة ولا شاهدًا فهي التي تسمّى بـ (الحسان)؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف؟ وَقَدْ احتفظنا بهذه الأحاديث التي لَمْ نجد لها متابعًا ولا مخالفًا وسمّيناها حسانًا؛ لحسن ظننا بالرواة؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ، والخطأ طارئٌ؛ ولأنّ الصدوق هُوَ الذي أكثر مَا يرويه مِمَّا يتابع عَلَيْهِ. فجعلنا مَا تفرد بِهِ من ضمن مَا لَمْ يخطأ فِيهِ تجوزًا؛ لأنّ ذلك هو غالب حديثه، ولاحتياجنا إليه في الفقه. وبمعنى هذا قول الخطّابي: «... وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء». ولا بأس أن نحد ذلك بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى - مثلًا لا حصرًا - مئتي حديث فأخطأ في عشرين حديثًا وتوبع في ثمانين. فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه. والثمانون التي توبع عليها من صحيح حديثه. أما المئة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعًا ولا مخالفًا فهي من قبيل (الحسن). ومن حاله كهذا: عاصم ابن أبي النجود، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا له به متابعًا فهو صحيح، وما وجدنا له به مخالفًا أوثق منه عددًا أو حفظًا فهو من ضعيف حديثه. وما لم نجد له متابعًا ولا مخالفًا فهو (حسن) خلا روايته عن أبي وائل، وزر بن حبيش. وانظر: كتابنا كشف الإيهام الترجمة (٣٢٨). وممن حاله كحال عاصم: «عبيدة بن حميد الكوفي، وسليمان بن عتبة وأيوب ابن هانئ، وداود بن بكر ابن أبي الفرات، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث ابن عبد الرحمن ابن أبي ذباب، ويونس ابن أبي إسحاق، وسماك بن حرب». وهذا الرأي وإن كان بنحو ما انتهى إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا. وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم. وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم: صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحًا وتعديلًا. وجواب ذلك: أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكأنّ المجرّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه، والمعدّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رآه غالبًا، غير أنا نعلم أنّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلًا، ومنهم متساهلين لا يبالي بكثرة الخطأ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين. ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحيانًا ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى. والله أعلم.
1 / 143