فهذه طريقة القرآن ينبه عباده عن غفلتهم عن عبادته بأفعاله الجميلة، وآلائه المشيعة، ونعمائه المبثوثة، ويحذرهم نفسه بقدرته الكاملة وعلمه المحيط بكل شيء فهو سبحانه يذكرهم نعمه ويحذرهم نقمه؛ لكي يتوبوا إليه بالأعمال الصالحة ويقصدوه وحده لا شريك له، ولا يشركوا به غيره في العبادة، فصار الأمر كوني سببا وعلة، وقنطرة للألوهية التي خلقت الكائنات كلها بأسرها وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب لأجلها. ويتشعب من الأمر الكوني الأمر العقلي، وإن كان العقل مما كونه الله تعالى في تركيب الإنسانية ليميز به الحسن والقبيح، والحق والباطل، فأنا أذكره على حدته، لعظم شأنه، وما # يترتب عليه من الثواب والعقاب، والكمال والجمال: اعلم أن جوهر العقل إن لم يتلطخ بلطخ عذرات الكفر والشرك والنفاق، ولم يتدنس بدنس الذنوب والسيئات، ولم يختل بخلا أمراض الشبهات والشهوات، الدال صاحبه على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي الملة الحنيفية ملة إبراهيم، ودين محمد بن عبد الله صلوات الله عليهم أجمعين، وهو التوحيد دلالة تامة لا محالة. وقد بين الله تعالى أن ذوي العقول هم أحرى للهداية، بل علق الله تعالى العقل والتذكر والتفكر، وأنه مهما عقل الإنسان وتفكر في آيات الله الكونية لدلته على لب اللباب وزبدة السنة والكتاب، وهو توحيد الألوهية، قال تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} . [آل عمران: 190] . وقال تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون} . [الروم: 28] . وغير ذلك من الآيات الدالة على أن أهل العقول هم المستنفعون بالآيات الكونية، والآيات الأمرية، فعلى هذا أنا أمثل أمثالا عقلية توافق النقل على أن لا يعبد مع الله غيره، وأن عبادة غيره باطلة، وأن عابد غيره أضل من كل ضال.
مخ ۶۷