ثم استدل الشيخ -رحمه الله تعالى- على التوحيد بأمر الله الذي أمر به عباده فقال -رحمه الله تعالى-: وقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} . واعلم أن الأمر أمران: أمر كوني، وأمر شرعي، وكلا الأمرين ينطقان بالتوحيد، أما الأمر الكوني فدلالته على التوحيد دلالة السبب على المسبب؛ لأنه المشتمل على أفعال الله كلها، من خلق، ورزق، وتدبير، وغير ذلك، وذلك سبب وعلة وقنطرة يوصل إلى توحيد الألوهية، التي هي عبادة الله وحده لا شريك له، وهذه طريقة القرآن، نبه الله تعالى عباده بأفعاله الجميلة الحسنة وقدرت الكاملة وعلمه المحيط على أنه المعبود بحق في الوجود، وأن ما سواه باطل، كما قال تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} . [الرعد: 14] . والقرآن مملوء من هذا، بل كل القرآن يقرر هذا التقرير كما تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} . [فصلت : 53] . ومن ذلك ما ذكر الله متواليات في سورة الروم {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} . [الروم: 20-25] . وقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار # والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} . [البقرة: 164] .
قال البيضاوي: "واعلم أن دلالة هذه الآية على وجود الإله ووحدانيته من وجوه كثيرة يطول شرحها مفصلا، والكلام المجمل أنها أمور ممكنة وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة، وأنحاء مختلفة يتحير العقل عن كنه حقيقته، ولكن يستدل العقل استدلالا ما على وحدانية الله، وقوله تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} . [النمل: 60-64] .
مخ ۶۶