121

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

ژانرونه

٤٥ - صفة التشهد
يقول السائل: ما قولكم فيما قرره بعض أهل العلم أن الصواب في صفة التشهد في الصلاة هو قول (السلام على النبي) وأما قول (السلام عليك أيها النبي) فقد كان حال حياة النبي ﷺ فلذا فإن الإتيان بهذا اللفظ غلط؟ أفيدونا.
الجواب: ما ذكره السائل قاله بعض العلماء كالشيخ الألباني في صفة صلاة النبي ﷺ حيث ذكر تشهد ابن مسعود ﵁ وعلق عليه بقوله: [قلت: وقول ابن مسعود " قلنا: السلام على النبي " يعني أن الصحابة ﵃ كانوا يقولون: " السلام عليك أيها النبي " في التشهد والنبي ﷺ حي، فلما مات عدلوا عن ذلك وقالوا: " السلام على النبي " ولا بد أن يكون ذلك بتوقيف منه ﷺ ويؤيده أن عائشة ﵂ كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة " السلام على النبي " رواه السراج في مسنده والمخلص في الفوائد بسندين صحيحين عنها] صفة صلاة النبي ﷺ ص١٤٣. وقال الشيخ مشهور سلمان وهو أحد تلاميذ الشيخ الألباني: [غلط قول " السلام عليك أيها النبي " في التشهد] القول المبين في أخطاء المصلين ص١٥٢.
وأقول ليس غلطًا أن يقول المصلي " السلام عليك أيها النبي " في التشهد بل هو صواب لا شك في ذلك ولا ريب وكيف يكون غلطًا وقد قاله عدد من صحابة رسول الله ﷺ كعمر وابنه عبد الله وابن عباس وعائشة وأبي موسى الأشعري وغيرهم وهو ثابت عنهم ﵃ أجمعين وعليه جماهير أهل العلم. وينبغي أن يعلم أنه قد ورد عن النبي ﷺ عدة صيغ في التشهد وقد ذكر الشيخ الألباني خمسًا من صيغ التشهد ثابتة عن النبي ﷺ وهي تشهد ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب ﵃ أجمعين وليس في الصيغ الأربع الأخيرة سوى قول " السلام عليك أيها النبي ". صفة صلاة النبي ﷺ ص ١٤٢-١٤٥
وقد قرر المحققون من أهل العلم أن اختلاف صيغ التشهد الواردة عن النبي ﷺ إنما هي من اختلاف التنوع وليست من اختلاف التضاد. فإذا جاء المصلي بأي صيغة منها أجزأه ولا حرج عليه ولا يصح حمل المصلي على صيغة واحدة فقط وهي قول " السلام على النبي " قال الإمام الشافعي: [قال لي قائل: قد اختلف في التشهد، فروى ابن مسعود عن النبي ﷺ: " أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن " فقال في مبتداه: ثلاث كلمات: (التحيات لله) فبأي التشهد أخذت؟ فقلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب يقول على المنبر، وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: " التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله " قال الشافعي: فكان هذا الذي علمنا من سبقنا بالعلم من فقهائنا صغارًا ثم سمعناه بإسناد وسمعنا ما خالفه فلم نسمع إسنادًا في التشهد يخالفه ولا يوافقه أثبت عندنا منه وإن كان غيره ثابتًا. فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني أصحاب رسول الله ﷺ: إلا على ما علمهم النبي ﷺ فلما انتهى إلينا من حديث أصحابنا حديث يثبته عن النبي ﷺ صرنا إليه وكان أولى بنا. قال: وما هو؟ قلت: أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قال الشافعي: فقال: فأنى ترى الرواية اختلفت فيه عن النبي ﷺ؟ فروى ابن مسعود خلاف هذا وروى أبو موسى خلاف هذا وجابر خلاف هذا وكلها قد يخالف بعضها بعضًا في شيء من لفظه ثم علم عمر خلاف هذا كله في بعض لفظه. وكذلك تشهد عائشة وكذلك تشهد ابن عمر ليس فيها شيء إلا في لفظه شيء غير ما في لفظ صاحبه وقد يزيد بعضها الشيء على بعض فقلت له: الأمر في هذا بين. قال: فأبنه لي؟ قلت: كل كلام أريد به تعظيم الله فعلمهم رسول الله فلعله جعل يعلمه الرجل فيحفظه والآخر فيحفظه، وما أخذ حفظًا فأكثر ما يحترس فيه منه إحالة المعنى فلم تكن فيه زيادة ولا نقص ولا اختلاف شيء من كلامه يحيل المعنى فلا تسع إحالته فلعل النبي أجاز لكل امرئ منهم كما حفظ إذا كان لا معنى فيه يحيل شيء عن حكمه ولعل من اختلفت روايته واختلف تشهده إنما توسعوا فيه فقالوا على ما حفظوا وعلى ما حضرهم وأجيز لهم قال: أفتجد شيئًا يدل على إجازة ما وصفت؟ فقلت: نعم قال: وما هو؟ قلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال " سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان النبي ﷺ أقرئنيها فكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرئتنيها فقال له رسول الله ﷺ: اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله ﷺ: هكذا أنزلت ثم قال لي: اقرأ فقرأت فقال: هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر قال: فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ليحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه وكل ما لم يكن فيه حكم فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه وقد قال بعض التابعين لقيت أناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ فاجتمعوا في المعنى واختلفوا عليَّ في اللفظ فقلت لبعضهم ذلك فقال لا بئس ما لم يحيل المعنى قال الشافعي: فقال: ما في التشهد إلا تعظيم الله وإني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعًا وأن لا يكون الاختلاف فيه إلا من حيث ذكرت] الرسالة ص٢٧٧-٢٨٣.
وقال الحافظ ابن عبد البر: [ولما علم مالك أن التشهد لا يكون إلا توقيفًا عن النبي ﷺ اختار تشهد عمر لأنه كان يعلمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمانه وأنه كان يعلم ذلك من لم يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنه قال: ليس كما وصفت. وفي تسليمهم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن النبي ﷺ في ذلك دليل على الإباحة والتوسعة فيما جاء عنه من ذلك ﵇ مع أنه متقارب كله قريب في المعنى بعضه من بعض إنما فيه كلمة زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة] الاستذكار ٤/٢٧٤. وقال الحافظ ابن عبد البر أيضًا: [وتشهد ابن مسعود ثابت أيضًا من جهة النقل عند جميع أهل الحديث مرفوع إلى النبي ﷺ وهو: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلى الله وأن محمدًا عبده ورسوله. وبه قال الثوري والكوفيون وأكثر أهل الحديث وكان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه ويتشهد به. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور: أحب التشهد إلينا تشهد ابن مسعود الذي رواه عن النبي ﷺ وهو قول أحمد وإسحاق وداود. وأما الشافعي وأصحابه والليث بن سعد فذهبوا إلى تشهد ابن عباس الذي رواه عن النبي ﷺ. قال الشافعي: هو أحب التشهد إلي. رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاووس عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) . وروي عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا وموقوفًا نحو تشهد ابن مسعود. وروي عن علي أكمل من هذه الروايات كلها. وفي الموطأ عن ابن عمر وعائشة ما قد علمت واختيار العلماء من ذلك ما ذكرت لك وكل حسن إن شاء الله. والذي أقول به - وبالله التوفيق - أن الاختلاف في التشهد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ ويدعى به فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلاة وفي التكبير على الجنائز وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف في مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا ... وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون بإحسان عن السابقين نقلًا لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنًا بعد زمن لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم ﷺ وهلم جرا فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة والحمد لله] . الاستذكار ٤/٢٧٧-٢٨٣
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عما يقع فيه الخلاف مما يتعلق بصفات العبادات ما نصه: [والقسم الثالث ما قد ثبت عن النبي ﷺ فيه أنه سن الأمرين لكن بعض أهل العلم حرم أحد النوعين أو كرهه لكونه لم يبلغه أو تأول الحديث تأويلًا ضعيفًا والصواب في مثل هذا أن كل ما سنه رسول الله ﷺ لأمته فهو مسنون لا ينهى عن شيء منه وإن كان بعضه أفضل من ذلك فمن ذلك أنواع التشهدات فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ تشهد ابن مسعود وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد أبي موسى وألفاظه قريبة من ألفاظه وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد ابن عباس وفي السنن تشهد ابن عمر وعائشة وجابر وثبت في الموطأ وغيره أن عمر بن الخطاب علم المسلمين تشهدًا على منبر النبي ﷺ ولم يكن عمر ليعلمهم تشهدًا يقرونه عليه إلا وهو مشروع فلهذا كان الصواب عند الأئمة المحققين أن التشهد بكل من هذه جائز لا كراهة فيه ومن قال إن الإتيان بألفاظ تشهد ابن مسعود واجب كما قاله بعض أصحاب أحمد فقد أخطأ] مجموع الفتاوى ٢٢/٢٨٥-٢٨٦.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وبأي تشهدٍ تَشهدَ مما صح عن النبي ﷺ جاز، نص عليه أحمد فقال: تشهد عبد الله أعجب إلي وإن تشهد بغيره فهو جائز لأن النبي ﷺ لما علمه الصحابة مختلفًا دل على جواز الجميع كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف قال القاضي وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده] المغني ١/٣٨٥.
وقال الإمام النووي بعد أن ذكر أحاديث التشهد المختلفة: [فهذه الأحاديث الواردة في التشهد وكلها صحيحة وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس، قال الشافعي والأصحاب: وبأيها تشهد أجزأه، لكن تشهد ابن عباس أفضل وهذا معنى قول المصنف: وأفضل التشهد أن يقول إلى آخره، فقوله أفضل التشهد دليل على جواز غيره، وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها وممن نقل الإجماع القاضي أبو الطيب] المجموع ٣/٤٥٧.
وقال الشوكاني فيما نقله عنه صاحب الروضة الندية: [ومما ينبغي أن يعلم أن التشهد وألفاظ الصلاة على النبي ﷺ كلها مجزئة إذا وردت من وجه معتبر وتخصيص بعضها دون بعض كما يفعله بعض الفقهاء قصور باعٍ وتحكمٌ محضٌ وأما اختيار الأصح منها وإيثاره مع القول بإجزاء غيره فهو من اختيار الأفضل من المتفاضلات وهو من صنيع المهرة بعلم الاستدلال والأدلة. انتهى. وقال في موضع آخر: التشهدات الثابتة عنه ﷺ موجودة في كتب الحديث فعلى من رام التمسك بما صح عنه ﷺ أن ينظرها في دواوين الإسلام الموضوعة لجمع ما ورد من السنة ويختار أصحها ويستمر عليها أو يعمل تارة بهذا تارة بهذا مثلًا يتشهد في بعض الصلوات بتشهد ابن مسعود وفي بعضها بتشهد ابن عباس وفي بعضها بتشهد غيرهما فالكل واسع والأرجح هو الأصح لكن كونه الأصح لا ينافي إجزاء الصحيح. انتهى] الروضة الندية ١/٢٧-٢٧٢.
وقال الشيخ ولي الله الدهلوي: [وجاء في التشهد صيغ أصحها تشهد ابن مسعود ﵁ ثم تشهد ابن عباس وعمر ﵄ وهي كأحرف القرآن كلها شاف كاف] حجة الله البالغة ٢/٢٠.
وقال العلامة محمد بن عثيمين: [وأما ما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود ﵁ إنهم كانوا يقولون بعد وفاة الرسول ﷺ " السلام على النبي ورحمة اله وبركاته " فهذا من اجتهاداته ﵁ التي خالفه فيها من هو أعلم منه عمر بن الخطاب ﵁ فإنه خطب الناس على منبر رسول الله ﷺ وقال في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله " كما رواه مالك في الموطأ بسند من أصح الأسانيد وقاله عمر بمحضر الصحابة ﵃ وأقروه على ذلك ثم إن الرسول ﵊ علم أمته حتى إنه كان يعلم ابن مسعود وكفه بين كفيه من أجل أن يستحضر هذا اللفظ وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن وهو يعلم أنه سيموت لأن الله قال له (إنك ميت وإنهم ميتون) ولم يقل بعد موتي قولوا " السلام على النبي " بل علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن بلفظها ولذلك لا يعول على اجتهاد ابن مسعود بل يقال " السلام عليك أيها النبي "] الشرح الممتع ٣/٢٠٩-٢١٠. وقد أجابت اللجنة ادائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية برئاسة الشيخ ابن باز عن سؤال نصه: [في التشهد هل يقول الإنسان " السلام عليك أيها النبي " أم يقول " السلام على النبي " لأن عبد الله بن مسعود ﵁ قال كنا نقول قبل وفاة النبي ﷺ " السلام عليك أيها النبي " وبعد موته ﷺ كنا نقول " السلام على النبي "؟ الجواب: الصحيح أن يقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته لأن هذا هو الثابت في الأحاديث وأما ما روي عن ابن مسعود ﵁ في ذلك إن صح عنه فهو اجتهاد من فاعله لا يعارض به الأحاديث الثابتة ولو كان الحكم يختلف بعده وفاته عنه في حياته لبينه لهم ﷺ] فتاوى اللجنة الدائمة ٧/١٠-١١.
وخلاصة الأمر إن القول بأن من الغلط أن يقول المصلي في تشهده " السلام عليك أيها النبي " قول خاطئ وتحجير لواسع وظهر لنا من أقوال كبار أهل العلم أن الأمر فيه سعة وأن المصلي إذا جاء بأي صيغة من صيغ التشهد الثابتة عن النبي ﷺ فإن ذلك مجزئ إن شاء الله.

6 / 45