لم يغذهم آباؤهم باللوم
لم ينسني بالشام إذ هو ربها
كلا ولا متنصرا بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده
إلا كبعض عطية المذموم
وتجري بعض الروايات بأن جبلة اشتد حنينه إلى منازله بأكناف دمشق، وود لو استطاع أن يعود إلى الإسلام فيعود إليها على أن يزوجه عمر إحدى بناته، وأنه مات قبل أن يصله رد عمر بإجابته إلى ما أراد، وهذه الرواية غير صحيحة؛ لأن جبلة عاش إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، قيل: إن معاوية بعث إليه أن يرجع إلى الإسلام ووعده أن يقطعه غوطة دمشق بأسرها فأبى، وقيل: إن جبلة بعث إلى معاوية يعرض الرجوع إلى الإسلام على أن يعطيه منازله وعشرين قرية من الغوطة، فكتب إليه معاوية يجيبه إلى ما طلب، فوجده قد مات، وقد يستطاع التوفيق بين الروايتين الأخيرتين بأن جبلة أبى ما عرضه عليه معاوية، ثم إنه ندم لإبائه فعاد يطلب ما رفض ومات قبل أن يجاب إليه.
وكانت تقيم مع جبلة بالقسطنطينية جالية من أهله وعشيرته آثروه على منازلهم وأهلهم بالشام، وقد قربهم ملوك الروم وأعزوهم فكانوا في بلاطهم حتى دالت دولتهم، يرجح ذلك أن عددا من رجال البلاط في قصر هرقل وخلفائه كانوا يسمون باسم جبلة، وهو اسم عربي لم يعرفه الإغريق ولا عرفه الروم قبل أن ينزل جبلة بن الأيهم عاصمتهم.
أقام جبلة في جوار هرقل يهز الحنين إلى منازله قلبه، وأقام هرقل حسيرا في عاصمة ملكه، يود لو استطاع الرجعة إلى الشام يسير بين جناته الفيحاء، وجباله المجللة بالثلوج، وأوديته الخصبة، حتى يبلغ قبر المسيح ببيت المقدس، أتراه يحاول هذه الرجعة وقد ودع سورية الوداع الأخير، أم أنه وهن عزمه وانهد ركنه؟ ذلك ما سنرى من بعد، فلندعه الآن كاسف البال في قصره، ولنعد إلى فلسطين نساير قواد المسلمين في ربوعه، حتى ندخل معهم بلد المسجد الأقصى.
هوامش
الفصل الثاني عشر
ناپیژندل شوی مخ