فرح انتون: ژوند - ادبیات - د هغه د کارونو لنډیز
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرونه
ثم اندفع أبو مرعب إلى البغال فأخذ بأحدها ومشى في المقدمة يتبعه المسافرون، وبجانبه كليم وسليم يعجبان من كرم أخلاق هذا القروي.
أما المسافرون الأميركان فإنهم كانوا في أثناء ذلك يضحكون، وقد أفهمهم ترجمانهم كل ما جرى، فأجابوا: «يس يس.» أي إنهم رضوا بالإقامة في منزل أبي مرعب، إلا أنهم لم يشكروه على ذلك شكرا خصوصيا؛ لأنهم لم يعرفوا قيمة العمل الذي عمله معهم ذلك الرجل الكريم.
ولما استقر بهم المقام في بيت أبي مرعب، نادى سليم وكليم ترجمانهم، وكان من تراجمة بيروت قدم معهم لهذا الغرض، وبعد أن تعرفوا به سألوه عن رفاقه وقصتهم، فأخبرهم أن هؤلاء الثلاثة الأميركان هم من حواشي أميركي كبير قادم للسياحة في جهات الأرز، فسأله سليم: وما اسمه؟ فأجاب الترجمان: اسمه مستر كلدن، فصاح سليم: مستر كلدن أحد أغنياء أميركا العظام؟ فقال الترجمان: نعم، فإن زوجته مريضة، وقد حضر معها للسياحة في أعالي لبنان، وقد أشار عليهم أطباء بيروت أن يتخذوا الحدث محطة لهم إذا أعجبتهم؛ لأن هواءها أجف الأهوية، ومنها يزورون كل الأماكن الجميلة التي بجوارها. وهذا ما جعلنا نتقدم وننتظرهم.
فقال كليم: إذا لستم مرسلين أميركيين كما ظن أهل القرية. فضحك الترجمان وقال: كلا! فقال كليم: ومن من رفاقك المصاب بداء الصدر؟ فضحك الترجمان أيضا وقال: لا أعرف أحدا مصدورا بينهم، ولكن لون أحدهم ضارب إلى الاصفرار فحسبوه مصابا، أو إنهم ادعوا ذلك تأييدا لحجتهم، فضحك سليم وقال: لا بأس، نحن نحمد هذه الصدفة التي جعلتهم قريبين منا؛ لأننا سنتعرف بالمستر كلدن ولا شك، فقال الترجمان: وهل تحبون التعرف برجال بطانته؟ فأجاب سليم: ذلك ما نتمناه.
وفي المساء زار سليم وكليم المسافرين الأميركان، فأحسنوا استقبالهم وقد سروا لمصادفتهم أديبين مطلعين، يحادثانهم بلغتهم حديثا مفيدا عن المكان والسكان. وفي أثناء الحديث سأل سليم أحدهم: بلغنا من الترجمان أن مسز كلدن مريضة، وهذا سبب سياحتها مع زوجها المكرم، ولكن ما مرضها؟ فضحك المخاطب وأجاب: مرض الوطن. فاستغرب سليم وكليم ذلك، فقال صاحبهما: نعم، أنا أخبركما الآن شيئا جديدا، وهو يسركما ولا شك، فإن مسز كلدن أصلها من بر الشام، ولم تنفك عن الاشتياق إلى وطنها الأول، فجاء بها المستر كلدن في هذا العام لعل صحتها تعود إليها في هذه السياحة التي هي متعبة وإن كانت جميلة. (5) قصة مجنون ليلى
وفي ذلك الليل نام كليم وسليم نوم الهناء بعد تعب السفر، ونهضا في صباح اليوم التالي نشيطين مسرورين، إلا أنهما شعرا قبل شروق الشمس بشيء من البرودة لم يتعوداه في آب لقياسهما الجبل على السهل، لكن لما طلعت الشمس ومازجت ذرات نورها الحار ذرات الهواء البارد شعرا بارتياح شديد لم يشعرا بمثله في حياتهما كلها. ومنذ هذه الساعة بدأت الحدث تكون جميلة في عيونهما.
ولما تعالت الشمس فوق المشرق واشتدت حرارتها قليلا، انتبه أمين من النوم وأوعز إلى أبويه أن يستعدا للذهاب إلى حرج الصنوبر القريب من القرية؛ ليتناولا طعام الصباح هناك مع ضيفيهما. فبعد نصف ساعة سار كليم وسليم نحو الحرج، وركب أمين حمارا؛ لأنه كان عاجزا عن المشي لضعفه، وسار أبواه وراءه، والمسافة بين القرية والحرج نحو أربع أو خمس دقائق. وهذا الحرج قائم بين القرية القديمة وبضعة منازل جديدة بنيت وراءه إلى الجنوب، وهو مغروس فوق أودية مختلفة تنفرج من الحدث إلى السهل، فيرى من ورائه بحر الكورة والبترون وما وراءه من الأفق.
فجلس الرفاق هناك في أجمل مجلس، وتناولوا طعام الصباح، وقد جعل أمين مجلسه بعيدا من مجلس صديقيه، وفصل طعامه عن طعامهما، فكان هذا الشعور اللطيف منه يزيد صديقيه رغبة في محو ذلك الأثر من نفسه، ولكن - وا أسفاه - ما الفائدة من محو ذلك الأثر من النفس ما دام باديا في الوجه؟ فإن أمينا كان في تلك الجمعية التي كانت تتمتع بالصحة والعافية، في ذلك المكان المشرف على مناظر الجبال الجميلة، والمعطر الهواء برائحة الصنوبر الطيبة؛ عبارة عن شبح وخيال، فإن العلة الهائلة أكلت وشربت لحمه ودمه، والهزال أفنى قواه وأخمد نار عينيه، وصبغ وجهه اللطيف بلون الموت، ولم يبق من قوة لتلك الروح الصبورة في ذلك الجسم النحيف، الذي صار كأجسام الأولاد، سوى قوة الابتسام بشفتيه الرقيقتين تحت شاربيه الأشقرين الدقيقين، اللذين صارا لا يظهران كثيرا لامتزاج لونهما بلون الوجه. فبالابتسام فقط كانت تظهر حياة أمين وعواطفه وإرادته، وكان يجود بالابتسام دائما إظهارا للقوة، وإيناسا لجلاسه، فهنا نقول مرة ثانية أيضا: ما رأى الممرضون قط مريضا شجاعا صبورا مثل الفتى أمين. والعجب من نفس قوية صبورة كهذه النفس كيف استطاعت العلة أن تقوى عليها؟!
وكان لا ينغص عيش سليم وكليم شيء في ذلك المكان الجميل سوى هذه الأفكار التي كانت تتردد عليهما. ورغبة في طردها وتسلية المريض، دخلا في الحديث معه، فقال كليم: ألا تذهب معنا إلى الأرز أيها الصديق؟ فضحك أمين وقال: أنت ترى أنني لا أقدر على الركوب من القرية إلى هنا، فقال سليم: لا تبالغ، فإنك بخير - والحمد لله - وإنك تستطيع الذهاب معنا إلى الأرز إذا أردته، ولك علينا إذا سرت معنا أن نريك فرجة لم ترها في حياتك، فقال أمين: وما هي؟ فقال سليم: نريك مجنون ليلى، فقال أمين: ومن هو مجنون ليلى؟ فقال سليم: هو رجل جن من الحب، فصاح أمين: لعلك تريد بهذا الرجل المسيو مخلوف! فدهش سليم وكليم وقالا: هل تعرفه؟ فقال أمين: هذا أمر بسيط؛ فإن كل الناس هنا يعرفونه ويعرفون قصته، فقال سليم: وهل تعرفها بالتفصيل؟ فقال: نعم، ولكن أين شاهدتماه؟
فقص عليه سليم كيف شاهدا مخلوفا في عين السنديانة وما جرى له، وكيف وعدهما بأن يقابلهما في الأرز، فقال أمين: أظن هذا كل ما تعرفانه عنه. أما أنا فإنني أقص عليكما قصته من أولها إلى آخرها كما سمعتها من عارفيه. وإليكما تفصيلها:
ناپیژندل شوی مخ