فرح انتون: ژوند - ادبیات - د هغه د کارونو لنډیز
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرونه
الوحش! الوحش! الوحش!
أو سياحة في أرز لبنان (1) على طريق الجبل
أشهر الطرق من البحر إلى أرز لبنان طريقان: واحدة عن طريق أهدن فبشري، أو الحدث فحصرون فبشري، وهي من أمام الأرز ، وواحدة من طريق بعلبك من وراء الجبال الشامخة المحيطة بهذا الحرج. والطريق الأولى طريق الثغور من طرابلس حتى البترون، والطريق الثانية طريق السياح الذين يصعدون من بيروت إلى بعلبك لمشاهدة آثارها، ثم يعطفون
ففي ليلة 8 آب من السنة التي نكتب تاريخ حوادثها، هنا قرع مكار في آخر الليل باب غرفة عالية كائنة في غربي قرية قلحات فوق طرابلس الشام وهو ينادي: يا خواجة كليم، يا خواجة كليم. فدوى صوته في القرية في صفاء ذلك الليل دويا هرت له الكلاب التي كانت راقدة في الشارع قرب تلك الغرفة، فساعد هريرها على تنبيه النائمين فيها؛ ولذلك لم يلبث أن فتح الباب وأطل منه الخواجة كليم وهو يفرك عينيه ويقول: هل ظهر نجم الصباح يا جرجس؟ فأجابه المكاري: أظنه سيظهر بعد نصف ساعة على الكثير، والأرجح أن الشمس تشرق لنا عند بطرام، فقال كليم: فلنعجل إذا؛ فإننا نروم الوصول إلى الجبل قبل اضطرام وطيسها فرارا من الحر.
وحينئذ التفت كليم لينبه رفيقا له كان نائما معه في الغرفة، فوجده واقفا وراءه، فقال له: هلم نركب يا سليم؛ فإن مطيتينا حاضرتان، ولنلبس ملابسنا أولا.
وبعد ثلث ساعة كان كليم وسليم على جوادين قويين سائرين في صفاء الليل تحت أشعة النجوم الضئيلة، ولا أنيس لهما غير المكاري يسير وراءهما وهو تارة يحدو فرسيه بكلام مشجع، وتارة يزجرهما لأنهما صدما حجرا في طريقهما. ولم يكن يسمع في ذلك الهدوء ما عدا وقع حوافر الجوادين وصوت المكاري سوى أصوات الحشرات الصغيرة التي تنتشر في لبنان على أشجار الزيتون والتوت، وتنشد في الليل والنهار أناشيد متواصلة.
ويظهر أن جفون كليم وسليم كانت لا تزال مثقلة بالنعاس؛ لأنهما كانا يتثاءبان من حين إلى حين. فرغبة في طرد النعاس، ابتدأ كليم قائلا: اسمع يا صاح أصوات هذه الحشرات الصغيرة التي تهكم عليها لافونتين تهكما شديدا. حقا إنه ظلمها بهذا التهكم، ترى ما عساها تجيبه لو درت بتهكمه؟
فتثاءب سليم وقال: لا ريب أنها كانت تجيبه جوابا جميلا، فإنها تقول له: ليس بالخبز وحده تحيا الكائنات الحية، بل الحياة الحقيقية هي الحياة الروحية. وحياة الروح عند هذه الحشرات نشيدها المستمر الدال على أنها في حالة الانبساط والراحة، ولو خيرت في أيهما أحب إليها: فقدانها هذه الحياة الروحية التي هي فطرتها وطبيعتها، أم فقدانها الخبز اليومي الذي هو حياتها البدنية، فإنها لا شك تختار فقدان هذه الحياة على تلك، وما الذنب في ذلك ذنبها؛ لأنها هكذا صنعت وهكذا فطرت. ومع ذلك فإن لافونتين لم يقدر على قهرها بتهكمه في ذلك المثل إلا لأنه قاس معيشتها على معيشة البشر، وبذلك جاءت حجته قوية، ولكنه لو أنعم النظر لرأى أن هذا الحيوان الصغير لا يحتاج إلى القوت بعد مرور أيام الحصاد حتى في أشد أوقات الشتاء؛ فإن قطرة من قطرات المطر كافية لشربه، وورقة واحدة من أوراق الشجر كافية لإيوائه وتدفئته، وأقل حشرة صغيرة أو دودة حقيرة كافية لتغذيته، ولو عقل هذا الحيوان لأجاب ذلك الشاعر: عندنا في الطبيعة ليس من حيوان ولا نبات يحتاج إلى قوت ويبيت بلا غذاء، فإن فظائع كهذه الفظائع لا تحدث إلا بين البشر في الاجتماع.
نعم، نحن نأكل بعضنا بعضا أحيانا، ولكنا نفعل ذلك حين الحاجة فقط قياما بسد عوزنا. أما أنتم فمع كونكم ذوي عقول تعقل ونفوس تدرك، فإنكم تأكلون بعضكم بعضا بحاجة ومن غير حاجة، وكثيرا ما يكون ذلك إرضاء لكبريائكم فقط لا لضرورة؛ ولذلك قال أحد حكمائكم: يا وحوش البر وأفاعي الغابات، خذيني إليك آكل من طعامك، وأشرب من مائك؛ لأتخلص من صحبة الإنسان.
فقهقه كليم هنا وقال: نعم هذا خير ما يعتذر به عن طياشة ذلك الطوير المطرب.
ناپیژندل شوی مخ