فرح انتون: ژوند - ادبیات - د هغه د کارونو لنډیز
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرونه
فما أصل هذه العبادات كلها؟ وهل إن الإنسان عبد النبات اتفاقا أم وجدت أسباب حملته على هذه العبادة؟ وما هي هذه الأسباب؟ إن البحث في هذا الموضوع الطبيعي الجليل في غاية الأهمية؛ لما فيه من الفائدة واللذة.
أما الاتفاق فليس له وجود في الطبيعة حقيقة، بل لكل معلول علة، ولكل نتيجة مقدمة؛ ولذلك ننظر في الأسباب والمقدمات التي حملت الإنسان على عبادة النبات. (3) أصل عبادة الدبق والسنديان
فننظر أولا في نباتات الدبق وأشجار السنديان التي كان يعبدها سكان غاليا في العصور المتقدمة، فقد قال المؤرخ بلين إن كهنة الغاليين كانوا يحتفلون أعظم احتفال بقطف أثمار الدبق ويقدسونها، ويعزون إليها مزايا دينية كثيرة، وهم يقطفونها عادة بواسطة سكين من الذهب، ومن المحرم عليهم قطفها بآلة حديدية لئلا ينجسها الحديد. وهذا الأمر الأخير يدل على أن عبادة نبات الدبق كانت قديمة جدا؛ أي إنها سبقت العصر الحديدي حتى حرم الحديد في قطفها. ولكن ما أصل هذه العبادة؟
أصلها أن هذا النبات حلمي يعيش بلا جذور على الأشجار التي يعلق بها. وقد كان يعلق في بلاد غاليا بأشجار السنديان، فيمر الإنسان الأول فيجد على هذه الشجرة نباتا مستقلا عنها وهو يعيش عليها، فيتساءل: من أين أتى هذا النبات المستقل؟ ثم إنه يأخذ بمراقبة مصدر هذا النبات، فيجد أن عصفورا يأتي ببذور منه ويلقيها على أغصان بعض الأشجار فتنبت عليها وتنمو. ولا يخفى أن الأقدمين كانوا يعزون إلى المشيئة الإلهية كل ما يقع تحت حواسهم من الأعمال العجيبة التي يعملها الحيوان والنبات، فأخذوا يعتقدون منذ ذلك الحين أن ذلك العصفور الذي يأتي ببذرة الدبق إلى تلك الشجرة مرسل من الآلهة، وتلك الشجرة مختارة منها؛ فهي مقدسة. وبناء عليه عبد الغاليون القدماء شجرة الدبق أولا، ثم السنديانة التي تحملها. وقد جاء في الأمثال الرومانية قولهم: إن العصفور يأتي هو نفسه بالدبق الذي يؤخذ به.
هذا أصل عبادة الدبق والسنديان في غاليا؛ أي إن استغراب الإنسان الأول النبات الحلمي الذي يقع على السنديانة باختيار طائر غريب مرسل؛ هو الذي نبه العقل البشري إلى تقديس ذلك النبات، ثم انتقل التقديس من النبات نفسه إلى الشجرة التي ينمو عليها. هذا هو الأصل الأول. (4) أصل عبادة التين الهندي
والأصل الثاني نجده في عبادة شجرة مقدسة شهيرة في الهند معروفة بشجرة «التين الهندي المقدس» أو تين الهياكل. وقد كانت عبادة هذه التينة من أهم العبادات الآسيوية. أما صفتها فهي شجرة ضخمة تنتشر أوراقها وفروعها انتشارا بعيدا، حتى إنها قد تظلل لسعة انتشارها مئات من الناس، ولكن ليست هذه مزيتها الكبرى، وإنما مزيتها الكبرى بروز أغصان من وسطها وتدليها إلى الأرض على شكل الجذور، ثم غوصها في الأرض كما تغوص الجذور، وقيامها مقام هذه من حيث امتصاص الغذاء. وقد تبلغ هذه الجذور البارزة مئات، كما تشاهد ذلك في أشجار من هذه الفصيلة موجودة في حديقة الأزبكية في القاهرة. وقد ورد لهذه الشجرة ذكر في الكتب الهندية المقدسة، فإنهم يسمونها شجرة الحكمة التي جذعها فوق وأغصانها تحت، تستند إليها الأرض ومن عليها. وقد جاء في التقاليد البوذية أن ولادة بوذة كانت بمثابة بروز جذر عظيم في وسط شجرة العالم، وروي أيضا عن أمه مايا أنها لما نقلت من فراشها لتلده نقلت إلى إحدى قمم جبال حملايا، ووضعت تحت شجرة منتشرة الأغصان والأوراق، فكانت إذا مدت يدها لتقطف ثمر الشجرة تدلت إليها أغصانها من نفسها. ولا يخفى ما في ذلك من الرمز إلى التينة الهندية.
فهذه الأمور إذا أضفت إليها مزية بروز الجذور من فوق إلى تحت، وهي المزية التي تميز هذه الشجرة عن سائر العالم النباتي، وجدت أنها كافية لإكرام الهنود إياها والاهتمام بها. وفضلا عن ذلك، فقد كان لهذه الشجرة مزية أخرى على باقي الأشجار؛ مما جعل الإنسان الأول يزداد بها اهتماما، وهي أن بذور هذه التينة كانت كثيرا ما تنبت بإزاء شجرة فتلتف عليها وتستند إليها، ولكنها لا تشب وتقوى حتى تأخذ جذورها الظاهرة - التي أشرنا إليها - بالتدلي إلى الأرض، فتضخم التينة وتنمو، وتزداد التفافا على تلك الشجرة حتى تخنقها وتقتلها؛ ولذلك سميت خانقة الأشجار أيضا، فكانت ذات مزية غريبة.
وكما أن الريح ألقت بذرة التين بإزاء شجرة فنبتت وخنقتها بعد بلوغها أشدها، كذلك قد يحتمل أن يحمل العصفور تلك البذرة إلى هياكل الهنود، فتنبت على سطوحها أو في جدرانها، فيحسب الهنود أن الآلهة قد أنبتتها هنالك. وقد وجدت نقوش كثيرة في الهياكل البوذية في الهند تمثل نمو شجرة التين المذكورة في جدران الهياكل وبروزها من نوافذها.
هذا هو أصل تقديس الهنود شجرة التين الهندي، وزد على ذلك أن ورق هذه الشجرة كثيف ثخين يقي المستظل بها من هبوب الرياح وانهمار المطر الشديد في تلك البلاد، فضلا عن اعتقادهم بأن الصاعقة لا تسقط عليها؛ لأن الآلهة تحميها. ولعل سبب ذلك - إذا صح - وجود كهربائية دافعة فيها. (5) القضبان السحرية
ثم إنه ورد في التقاليد الأسوجية ذكر لقضبان سحرية يكشف بها الإنسان المخبآت، وطريقة الحصول على هذه القضبان الثمينة مذكورة في أوراق وجدت في القرن السابع عشر، ومنها هذه العبارة: متى لقيت على جدار أو على صخرة أو في جوف شجرة نبتة «السوبريه» نابتة من بذرة، تكون قد سقطت من منقار عصفور، فاذهب إليها في مساء اليوم الثالث من عيد نوتردام واقطف قضيبا منها، فيكون له مزية اكتشاف المخبآت ومعرفة الأراضي التي فيها ينابيع. فأنت ترى من ذلك أن هذه الشجرة التي لها مزية الاكتشاف إنما هي من النباتات الحلمية، أو النباتات التي تبرز من جذعها جذور على طريقة التينة الهندية. (6) تولد عبادة الأشجار من عبادة النار
ناپیژندل شوی مخ