فرح انتون: ژوند - ادبیات - د هغه د کارونو لنډیز
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرونه
أما فلسفة ابن رشد فإنها تناقض الفلسفة التي تقدمت. وإليك خلاصة منها:
المادة وخلق العالم
إن أعظم المسائل التي شغلت حكيم قرطبة مسألة أصل الكائنات، وهو يرى في ذلك رأي أرسطو، فيقول: إن كل فعل يفضي إلى خلق شيء إنما هو عبارة عن حركة، والحركة تقتضي شيئا لتحركه ويتم فيه بواسطتها فعل الخلق، وهذا الشيء هو في رأيه المادة الأصلية التي صنعت الكائنات منها. ولكن ما هي هذه المادة؟ هي شيء قابل للانفعال، ولا حد له ولا اسم ولا وصف، بل هي ضرب من الافتراض لا بد منه ولا غنى عنه. وبناء عليه يكون كل جسم أبديا بسبب مادته؛ أي إنه لا يتلاشى أبدا؛ لأن مادته لا تتلاشى أبدا، وكل أمر يمكن انتقاله من حيز القوة إلى حيز الفعل لا بد له من هذا الانتقال، وإلا حدث فراغ ووقوف في الكون؛ وعلى ذلك تكون الحركة مستمرة في العالم، ولولا هذه الحركة المستمرة لما حدثت التحولات المتتالية الواجبة لخلق العالم، بل لما حدث شيء قط. وبناء عليه فالعامل الأول الذي هو مصدر القوة والفعل؛ أي الخالق سبحانه وتعالى، يكون غير مختار في فعله؛ لأن الحرية والاختيار يقتضيان كونه محدثا، والخالق تنزه عن أن يكون حديثا.
اتصال الكون بالخلق
هذا فيما يختص بخلق العالم، وهو مذهب قريب جدا من مذاهب الماديين كما ترى، ولكن كيف يستولي العامل الأول على الكون ويدبره؟
لابن رشد في ذلك تمثيل يدل على حقيقة مذهبه في هذه المسألة الخطيرة، فإنه يشبه حكومة الكون، أي تدبيره، بحكومة المدينة، فإنه كما أن كل شئون المدينة تتفرق وتتجه إلى نقطة واحدة، وهي نقطة الحاكم العام فيها، فيكون هذا الحاكم مصدرا لكل شئون الحكم ولو لم تكن له يد في كل شأن من هذه الشئون. كذلك الخالق في الأكوان، فإنه نقطة دائرتها ومصدر القوات التي تدبرها، وإن لم يكن له دخل مباشرة في كل جزء من هذه القوات، فبناء على ذلك لا يكون للكون اتصال بالخالق مباشرة، وإنما هذا الاتصال يكون للعقل الأول وحده، وهذا العقل الأول هو عبارة عن المصدر الذي تصدر عنه القوة للكواكب.
وعلى ذلك فالسماء في رأي فيلسوف قرطبة كون حي، بل أشرف الأحياء والكائنات، وهي مؤلفة في رأيه من عدة دوائر يعتبرها أعضاء أصلية للحياة، والنجوم والكواكب تدور في هذه الدوائر. أما العقل الأول الذي منه قوتها وحياتها فهو في قلب هذه الدوائر، ولكل دائرة منها عقل، أي قوة تعرف بها طريقها، كما أن للإنسان عقلا يعرف به طريقه. وهذه العقول الكثيرة المرتبطة بعضها ببعض، والتي تلي بعضها بعضا محكومة بعضها ببعض، إنما هي عبارة عن سلسلة من مصادر القوة التي تحدث الحركة من الطبقة الأولى في السماء إلى أرضنا هذه، وهي عالمة بنفسها وبما يجري في الدوائر السفلى البعيدة عنها. وبناء على ذلك يكون للعقل الأول الذي هو مصدر كل هذه الحركات علم بكل ما يحدث في العالم.
طريق الاتصال
وإن قيل: ما هي علاقة الإنسان بالخالق؟ فالجواب عن ذلك يأخذه ابن رشد أيضا عن أرسطو من الفصل الثالث من كتابه: النفس. وخلاصة ذلك أن في الكون عقلا فاعلا وعقلا منفعلا؛ فالعقل الفاعل هو عقل عام مستقل عن جسم الإنسان وغير قابل للامتزاج بالمادة، وأما العقل المنفعل فهو عقل خاص قابل للفناء والتلاشي مثل باقي قوى النفس، وإنما يقع العلم والمعرفة باتحاد هذين العقلين؛ ذلك أن العقل المنفعل يميل دائما للاتحاد بالعقل الفاعل، كما أن القوة تقتضي مادة تنفذ فيها، والمادة تقتضي شكلا توضع به، وأول نتيجة تحصل من هذا الاتحاد تدعى: العقل المكتسب.
ولكن قد تتحد النفس البشرية بالعقل العام اتحادا أشد من هذا، فيكون هذا الاتحاد عبارة عن امتزاجها جد الامتزاج بالعقل القديم الأزلي، ولا يتم هذا الاتحاد بالعقل الاكتسابي الذي تقدم ذكره، فإنما وظيفة العقل الاكتسابي إيصاله إلى حرم الخالق الأزلي دون أن يدغمه به، وأما إدغامه واتصاله به فذلك أمر لا يتم إلا بطريق العلم، فالعلم إذا هو سبب الاتصال بين الخالق والمخلوق، ولا طريق غير هذا الطريق. ومتى اتصل الإنسان بالله صار مثله عارفا بكل شيء في الكون، ولم يعد يفوته شيء، ولكن كيف يتصل الإنسان بالله؟ يتصل به بأن ينقطع إلى الدرس والبحث والتنقيب، ويخرق بنظره حجاب الأسرار التي تكتنف الكون، فإنه متى خرق هذا الحجاب ووقف على كنه الأمور وجد نفسه وجها لوجه أمام الحقيقة الأبدية.
ناپیژندل شوی مخ