فرح انتون: ژوند - ادبیات - د هغه د کارونو لنډیز
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرونه
فوثب حينئذ مخلوف وثبة الذئب وصاح: بل أنت تتركها! ثم مد يده إلى جيبه وأخرج منها سكينا، وهجم على كلدن.
فلم يكن كلمح البصر حتى أطبق عليه كليم وسليم من وراء وقبضا على يده، فأسرع البغالون وشدوا وثاقه بحبل غليظ، فانكسرت حدة مخلوف فصار ينوح ويصيح متذللا باكيا: إميليا، إميليا، بحياتك لا تتركيني! ماذا صنعت لك حتى تعذبيني؟ أما أنقذتك من الموت؟ هل أنقذتك لغيري؟ أما أحببتك عشر سنوات دون أن أنساك؟ إميليا، إميليا، يقولون إنه زوجك، فلا بأس، هو زوجك، فخذيني أنا خادما لك. إنني أتبعك ماشيا لا راكبا، لا أكلمك ولا أدنو منك، وإنما أحرسك وأخدمك وأقبل قدميك. إميليا، إميليا، انظري، أنا صديقك تعيس الآن، ولوقا طمعون عدوك سعيد. يا لنكران الجميل! يا للظلم! هو يركب بجانبك مسرورا وأنا يشدونني بالحبال ويعذبونني! إميليا، إميليا، خذيني معك، لا تقتلي نفسا بريئة؛ فإن الله يحاسبك.
فأثرت هذه الكلمات في نفس إميليا حتى بكت لها شفقة على ذلك التعيس، فخاطبت زوجها مستأذنة في أمر، ثم وجهت جوادها نحو مخلوف فدنت منه وهو مشدود الوثاق، فكأن روحه عادت إليه، فمدت يدها البيضاء اللطيفة ووضعتها على كتفه وقالت له بنغمتها الساحرة: عزيزي مستر يعقوب، فصاح مخلوف: بلا مستر، بلا مستر، بحياتك قولي عزيزي يعقوب كما كنت تقولين، فقالت: عزيزي يعقوب، لا أقدر على أخذك الآن معي، ولكن أعدك أنني سأطلبك، فصاح مخلوف: متى يكون ذلك؟ فقالت: حين وصولي إلى بلادي، فبكى مخلوف وصاح: بلادك، ولكن بلادك هنا! فقالت: بل بلادي أميركا يا عزيزي مستر يعقوب، فعش هذه المدة مسرورا راضيا بغيابي؛ لأنني سأتذكرك دائما وأرسل إليك كل ما تحب إلى أن يتيسر لي استدعاؤك.
وهكذا هدأ ذلك المجنون العاشق التعيس بشيء من اللطف والوعود، ولكن هدوءه كان وقتيا، فإنه ما تحرك الركب وسار حتى اشتد به الجنون وشرست أخلاقه، فاضطروا إلى شد وثاقه وأرسلوه إلى دير قزحيا، ولا يزال في الدير إلى اليوم ينشد الأشعار ويترنم بذكر حبيبته إميليا.
فمسكين أنت يا مخلوف! تخاصم البحر والريح فكان الصلح عليك، ولكن أما سمعت ما قال سليم: إن العبرة بالانتظار والثبات؟ وأنت لم تقدر على الانتظار لأن عقلك رحل عند أول صعوبة، على أنك لو انتظرت وكنت الآن عاقلا، فربما نلت أسمى منزلة عند إميليا بعد منزلة زوجها. •••
أما سليم وكليم فقد أقاما في الأرز بضعة أيام، وكان تخلصهما من مكاريهما بطرس الثقيل بواسطة أمين الذي عاد على بغله إلى الحدث، وحين عودتهما من الأرز ممتلئين صحة وقوة كان سليم يقول لكليم كلما مرا بالأديرة: أما اقتنعت الآن بعد ما رأيناه من تقلبات حوادث الحياة وقصصها المضحكة والمبكية أنه خير للإنسان الذي يريد الراحة أن يعيش منفردا عن العالم في دير أو في نفق؟
فيتنهد كليم ويقول: ليس الانفراد عن الناس هو الذي يريح الإنسان، فإن مخلوف منفرد الآن عنهم في دير، ولكنه تعيس جدا، فراحة الإنسان وسعادته في داخله؛ أي في نفسه، فلا يبحث عنهما خارجا عنها، والنفوس القوية العادلة المستقيمة تقدر أن تكون مستريحة سعيدة حتى في وسط تقلبات الحياة.
ناپیژندل شوی مخ