في أوقات كثيرة نتعامل مع الإنترنت باعتباره عالما موازيا؛ كتبت كثير من المقالات والدراسات التي استخدمت هذه الاستعارة. ماذا لو مددنا خط هذه الاستعارة قليلا؟ لنتخيل أن أحدنا أراد أن يرسم خريطة لهذا العالم الموازي. ماذا لو حاولنا أن نرسم خريطة للإنترنت العربية؟
لماذا أتحدث عن خريطة للإنترنت العربية؟ لأنني تخيلت أن من يتمثل الصورة الكلية للمحتوى العربي سيجد فيها حالة من عدم التوازن: مناطق مزدحمة بالمواقع، في مقابلها صحارى ممتدة لا يسكنها إلا القليل ؛ وبالتالي يعتمد المتخصصون العرب في كثير من الموضوعات على الإنترنت الأجنبية. ما يرد إلى الذهن في هذا السياق للوهلة الأولى أن هذا ربما انعكاس منطقي لحالة ثقافتنا العربية، وربما هذا صحيح بدرجة ما، لكنه لا يصلح هنا كسبب وحيد، لماذا؟ لأنك إذا دخلت أي مكتبة عامة كبيرة؛ فستجد كتبا عربية في كل الموضوعات: كتبا لكتاب عرب، كتبا مترجمة، كتبا لمؤلف واحد، كتبا لها أكثر من مؤلف. قد نلاحظ عدم توازن من نوع مختلف حتى في المكتبات العامة، لكن هذا موضوع مختلف.
2
كثير من المواقع المستقرة في الإنترنت العربية يقوم عليها أفراد لا مجموعات عمل. هناك مواقع تقوم عليها فرق عمل كبيرة ومنظمة، مثل موقع «هنداوي» الذي ينشر هذه المقالة، وهناك تجارب شابة تسير بخطى واثقة مثل موقع «ساسة بوست» على سبيل المثال، لكن الإنترنت العربية في أغلبها تقوم على جهود فردية. المواقع التي تقف وراءها مؤسسات ستتركز في الغالب في مجالات بعينها: مناطق ساخنة تجذب انتباه الكثيرين؛ كالمواقع الإخبارية، والمواقع الإسلامية، لكن حتى داخل هذه المناطق المأهولة نسبيا بالمواقع، سيجد المتخصص المتابع مناطق قصور ونقص.
قواعد النحو العربية - على سبيل المثال - من الموضوعات التي أجد ما أريده منها على الإنترنت بسهولة. أحتار في قاعدة ما، فأجد ما أبحث عنه غالبا، لكن المشكلة تظهر أيضا حين تنتبه إلى غياب جهد منظم مهم في هذا المجال. كثير من النتائج التي تظهر تكون من ساحات حوار، أو مداخلات على مواقع التواصل الاجتماعي. تكون مطالبا وأنت تبحث أن تحدد موثوقية هذا الكلام، ومدى صحته؛ تفتح أكثر من صفحة وتقارن بين محتوياتها؛ لأن من يقولون هذا الكلام مجهولون لك في الغالب، حتى لو كان أحدهم عالما في موضوعه، والموقع الذي يضم هذا الكلام غير متخصص، والكلام الذي تقرؤه لم يراجعه أحد، أو لا تعلم إن كان قد راجعه أحد؛ لأنك لا تستطيع أن تتعرف على المسئولين عن الموقع، وسياستهم.
3
لو تحدثنا عن المواقع كأفراد حقيقيين، ربما سنكون أيضا في حاجة إلى صفحات نعي، مواقع كانت موجودة ومهمة لكنها اختفت دون أثر، ودون أن يظهر بديل: «انتقل إلى رحمة الله تعالى موقع كذا، وندعو للإخوة متابعي الفقيد بالصبر والسلوان.» فكرة موت موقع على الإنترنت طبيعية، لكن غير الطبيعي أن يختفي موقع مهم ثم لا يظهر له بديل، فيترك مكانه فارغا. أيضا أظن أننا سنحتاج صفحة للبحث عن المفقودين (404). لي مدة مثلا لم أدخل على موقع «مجمع اللغة العربية بالقاهرة»، الموقع لم يخل من المشاكل، لكنه كان مفيدا لمن يريد الاطلاع على قرارات المجمع، أو من يريد البحث عن رأي المجمع في مسألة بعينها. أبحث عنه الآن، فيجيب الموقع:
Server not found . في هذه الحالة أنا لا أعلم هل هذا الاختفاء مؤقت، أم دائم. أظن أنه سيستمر لفترة طويلة؛ لأن مثل هذه المواقع في الغالب يتم إنشاؤها عن طريق التعاقد لمرة واحدة مع شركة أو فرد يتولى عملية تصميم الموقع وجعله متاحا، ثم يترك الموقع دون متابعة أو دعم تقني: «على من يتعرف إلى أي معلومات الاتصال برقم ...»
4
اكتب «نجيب محفوظ» في أي محرك بحث وانظر إلى النتيجة، هل هذه النتيجة طبيعية؟ من ضمن النتائج التي ستظهر سيلفت نظرك: «الموقع الرسمي للأديب العالمي نجيب محفوظ»، وهو موقع مستضاف من قبل دار نشر الشروق، التي اشترت حقوق نشر كل كتب نجيب محفوظ في صفقة شهيرة، والمعلومات التي يتضمنها هي معلومات أساسية مختصرة، مقسمة على عدة وصلات، بعضها الآن لا يعمل. بعض الملفات التي تمت كتابتها على عجل في بعض الصحف الأسبوعية تتفوق في المادة على هذا «الموقع».
ناپیژندل شوی مخ