وفن الحياة يقتضينا أن ننظر إلى الحياة نظرة فنية، فنختار الأثاث في دراية وعناية مع الاستقلال، حتى ولو خالفنا العرف في هذا الاختيار؛ لأن العرف بطبيعته طراز تعميمي، ولكن الشخصية المستقلة تطلب التخصيص والانفراد. والبيت يتسع للاتجاه الفني حتى يعود بالتأنق متحفا، وكثير من البيوت التي امتاز أصحابها بالثراء قد صارت متاحف، ولكنها - مع الأسف - متاحف قد أسيئ فيها الاختيار؛ حيث أخذت الأبهة المطهمة مكان الفن الأنيق.
ولكن مع ذلك يجب أن نعترف أن الثراء في أيامنا يستطيع أن يجذب إلى البيت أفخر الأثاث الذي يضع تصميمه، ويرسم مواصفاته فنانون فقراء؛ ولذلك يشق على غير المتيسرين أن يجعلوا الفن سائدا في بيوتهم، فضلا عن إحالتها إلى متاحف.
فهناك آنية فنية معجبة تزدان بها الموائد عند الأغنياء، ولا يستطيع غيرهم شراءها، وقل مثل هذا في سائر الأثاث، أو بالأحرى معظمه، ونقول في «معظمه» لأن كثيرا من الأثاث الغالي في الثمن لا نجد فيه غير الأبهة السخيفة مع القبح العظيم؛ لأن الذين صنعوه قصدوا إلى كثرة التكاليف التي تبرز وفرة المال عند المقتنين لهذا الأثاث دون الالتفات إلى التأنق الفني.
نذكر من هذا سريرا رأيناه من النيكل، له قبة كأنه أريكة جنكيز خان أو عرش تيمورلنك، وكل ما فيه من ميزة أنه يباع ببضع مئات من الجنيهات.
وكم قد رأينا من مقاعد مذهبة، وكنبيهات منجدة، ومناضد ومرايا متعددة، حتى ليدخل أحدنا منظرة الضيوف فيحس كأنه في قاعة أثاث قد عرضت أشياؤها للمزاد.
والفن أيسر من هذا، ولكنه مع ذلك لا يتوافر لغير المتوسطين المدبرين الذين يختارون عن دراية وفهم، وليس هذا شاقا إذا جعلنا همنا في جمع الأثاث ممتدا على سني العمر؛ أي لا نشتري أثاث البيت دفعة واحدة كما هو المألوف في بلادنا بتجهيز العروس بأثاث بيتها؛ لأننا حين نفعل هذا نجمع الأثاث في عجلة وفقا لطراز العصر أو السنة، وقد يكون طرازا سيئا أملته نزوة وقتية زائلة، وإنما يحسن أن نختار الأثاث قطعة بعد أخرى مع التغيير الذي يقتضيه ارتقاؤنا الفني على مدى السنين.
ويجب أن نقتني أجود الأثاث، فلا نتسامح في الجودة والقيمة الفنية، وهذا ميسور ما دمنا لا نزحم نفسنا، ونرهق جيبنا في شراء مجموعة كبيرة دفعة واحدة، وبذلك نجمع تحف الآنية والرسوم والكتب وسائر الأثاث، ويعود البيت متحفا جميلا يحوي أفخر ما أخرجته حضارة فرنسا والصين وألمانيا ومصر وغيرهن.
وإذا كان رب البيت أو ربته على شيء من ثقافة معينة استطاعت أن تجعل البيت متحفا لثقافتها. وكثيرا ما يدخل أحدنا بيتا لأحد المثقفين فيجد فيه الطرف العجيبة التي اكتشفها من أحجار أو محار أو معادن أو أحياء أو غير ذلك. وهذا بالطبع لا يتفق لكل منا.
ولكن الشيء المهم الذي نقصد إليه أن يجد البيت منا عناية فنية في تأثيثه، وأن ننظر إليه كأنه متحف عائلي يجمع طرف الجدود والأحفاد، فيتخذ بذلك سمة من سمات الخلود، فلا يكون مادة بل فكرة.
البيت للضيافة
ناپیژندل شوی مخ