Anabalism
أعم أنواع الدورية في الحياة وأدقها وأعظمها تعقدا، تصور جزيئا
Molecule
كالحامض الكربوني دخل إلى خلية نباتية واندمج فيها مع جزيئات أخرى من الماء وغيره، فتألف منها جزيء كربوهيدراتي، فاستعملت الخلية ما في هذا الجزيء من طاقة بحلها إياه إلى جزيئات أخرى تطلقها في الفضاء، ثم تدخل هذه الجزيئات المحولة من ذلك الجزيء إلى خلية أخرى في حي آخر، وتندمج في جزيئات أخرى، وهكذا دواليك. فلو أمكنك أن تتبع ذرة من ذرات الكربون أو غيره في تنقلها، فقد تراها تطوف من خلية إلى خلية ومن حي إلى حي إلى ما شاء الله.
فطواف الذرات على هذا النحو هو علة تعاقب الخليات في نسيج الحي، وعلة تعاقب الأفراد من النوع الواحد من الأحياء في توالدها، وعلة تفرع الأحياء إلى أنواع؛ ذرات طائفة تتمثل كل حين بعد آخر بشكل جديد على مرور الزمان. والزمان يطوي هذه الأشكال العديدة في أذياله دورا بعد دور بأساليب مختلفة لا تحصى، هذه الأساليب هي دورانات مختلفة مركبة معقدة متجددة، مبتدعة الصور والأشكال.
لا تجد في الأكوان المادية - غير الحيوية - كالسدم والأجرام مثل هذا الطواف الذري المنظم الذي يظهر جماعات الذرات في أشكال عديدة متنوعة كأنها صنعة فنان. لا تجد في السدم والأجرام طوافا ذريا إلا بشكل كأنه فوضوي لا قاعدة له ولا نظام.
هذا الدوران الذري الذي يجمع الذرات ويفرقها على التوالي جمع مرارا عديدة كثيرا من ذرات الكربون، مع ما تحتاج إليه من أخواتها الذرات الثلاث الأخرى، في نبات وحيوان حتى انشغلت كل ذرة منها - ما عدا جانب من كربونات العناصر المعدنية كالكلس ... إلخ - في خليات عديدة على التعاقب؛ فكأن كل ذرة اشتغلت بعملية الحياة ملايين المرات التي لا تحصى.
العمل الحيوي استنفد كل ما على الأرض من ذرات الكربون الحرة، وما دفن منها تحت الثرى بسبب العوالم الجيولوجية، وهي تبعث الآن من مدفنها فحما حجريا، وتطلق وقيدا لتعود إلى الحياة في النبات والحيوان. هذه دورات كبيرة عامة تشمل كل ما على سطح الأرض وطبقاتها منذ صلحت الأرض للحياة، وقد تكررت هذه الدورية ملايين المرات، وستتوالى ملايين أخرى إلى أن تذوب الشمس، وتنخفض الحرارة إلى حد لا تستطيع الألفة الكيماوية عنده أن تجمع العناصر الأربعة وتفرقها.
إن عمل هذه الألفة الكيماوية عجيب، تكاد هذه الألفة تتجلى لنا ذات قدرة ذاتية بارعة، وذات إرادة حرة متفننة تتراءى لنا كأنها تتلاعب بأربعة من عناصر الطبيعة دون ال 92 عنصرا الأخرى؛ فتؤلف من ذراتها كل يوم أشكالا مادية حيوية جديدة على مرور الزمان، حتى إذا جعلنا نصف هذه الأشكال ونعلل تسلسلها بذلنا من المجهود ألوف أضعاف ما نبذله في وصف أجزاء الكون المادي وحركاته وروابطه؛ ذلك الكون العظيم العديد العوالم الذي لا يكاد عالمنا الحيوي الأرضي هذا يحسب نقطة وهمية فيه.
ذلك الكون عظيم في ضخامة مادته، وعظيم في رحاب حيزه، وعظيم في أنهار زمانه الجارية في مجاري الوجود. وأما عالمنا هذا الحيوي فبالرغم من ضآلة مادته وحيزه ومجرى زمانه وقصره، فهو أعظم من ذاك جدا في تنظيمه، وأعجب جدا في أنظمته؛ فالبيولوجي والبكتيريولوجي والهيستولوجي والفسيولوجي ... إلخ يرون من أعمال الحياة وتفاعلاتها المتنوعة العديدة العجب العجاب الذي لا يرى الفلكي الطبيعي معادلا له لا في الكم ولا في الكيف. إن متحف تاريخ الحياة القصير يحتوي على صور مختلفة لا يفرغ العقل البشري من استعراضها، وأما متحف تاريخ الأكوان الذي يكاد يكون غير متناه ففي وسع العقل أن يستعرضه في فترة من العمر. (3) الألفة الكيمية سر الحياة
ناپیژندل شوی مخ