وإذا كان حماة مبدأ المساواة لا يبصرون الحاجة إلى التفاوت وراء أشواقهم إليه في كل وقت، فإنهم يعتقونه مع ذلك عند النظر إلى جماعة، فكلمة «دكتاتورية الصعلكة» تنطوي بحكم الضرورة على تفاوت بالغ بين أفراد فريق الصعاليك ومن ليسوا منه.
والاشتراكية والشيوعية مدينتان بقوتهما لمبدأ المساواة، ومع ذلك فإن من الممكن ألا يكون مثل هذه القوة غير موقت؛ وذلك لأن المساواة، أي الحقد على الأفضليات ، أي الهدف المشترك بين جميع الديموقراطيات، كان يؤدي بما لا مفر منه، إلى نهاية هذه الديموقراطيات.
والعالم في حال الحضارات الحاضر بلغ من شدة التعقيد ما يحتفظ عدم القابلية معه بسلطان مكتسب وقتيا، وهذا من الوضوح ما تدركه عناصر الصعلكة المثقفة إدراكا جيدا، وكان من تعبير بعضهم عنه في الأسطر الآتية بجلاء ما أنقلها معه هنا أيضا لسدادها، وإن كنت قد استشهدت بها في أحد كتبي:
مبادئكم خيالية، فهي تمنح قوة الدولة القسرية ما لا تنطوي عليه من قيمة إبداعية ... لن تخرجوا مجتمعا كاملا بين عشية وضحاها، ولن تنعموا على العمال بقدرة على إدارة الإنتاج والمقايضة، أجل، ستكونون سادة الساعة، وستقبضون على جميع السلطة التي كانت بالأمس خاصة بالبرجوازية، وستكدسون مراسيم فوق مراسيم، ولكنكم لن تأتوا بالمعجزات، ولن تجعلوا من العمال أناسا قادرين على القيام مقام الرأسماليين بغتة.
وعلى العموم عدت أحزاب فرنسة الكبيرة مواصلة للثورة الفرنسية وملهمة من مبادئها. ومن دواعي الرثاء لها أن يواصل التطور سيره ضمن معنى مخالف لمبادئها في المساواة مخالفة تامة.
الفصل الرابع
شأن الجماعات الحاضر
ترى المجتمعات نفسها خاضعة بالتدريج لسلطان جديد، أي: لسلطان الجماعات، وذلك بعد أن سيطر عليها الآلهة والملوك والخواص بالتعاقب.
ويواجه العالم الحاضر هذا الأمر المتناقض، وهو: إخضاع الخواص لعزائم الجماعات، مع أن الحضارة لم تتقدم قط إلا بنفوذ الخواص وعلى الرغم من الجماعات.
وقد دلت مباحث علم النفس الحديثة على تأصل أوهام محترفي السياسة الكثير حول قدرة العدد المفروضة، وقد أثبتت هذه المباحث كون آراء الجماعات خالية من مستند عقلي، فالإنسان في الجماعة يرجع إلى همجية ما قبل التاريخ.
ناپیژندل شوی مخ