وعجز العقل عن التأثير في المشاعر أصبح من شدة الخطر بنسبة ما تجهز مبتكرات العلم به المشاعر بأسلحة هائلة، تبيد في بضع ساعات كبريات العواصم مع ما تشتمل عليه من كنوز الفن، ومن ثم تخرب الحضارات المسنة التي يفاخر بها الإنسان.
أجل، قد تكون المشاعر في الإنسانية العليا خادمة للذكاء، ولكن الذكاء في إنسانيتنا الناقصة التطور هو الذي يظل خاضعا للمشاعر.
الفصل الثالث
المعتقدات الوجدية ذات الشكل الديني
تبدو القوى الوجدية في الصف الأول من القوى النفسية، وقد كانت عظيمة الشأن دائما؛ لأنه تألف منها أعظم محرك للجهود الفردية والجماعية التي تشتق منها حياة الأمم.
ولا أفصل هنا هذا التأثير، فقد خصصت كتابا لأثبت كيف تولد المعتقدات وكيف تنمو وتموت، وكيف توجه الأعمال بعد أن تستقر بالنفس، وقد حاولت على الخصوص أن أوضح الأمر الأساسي القائل إن المعتقدات المخالفة للعقل مما أمكن اعتناق أفضل العلماء له، ولاح إدراك هذا الحادث متعذرا في زمن عدت المعتقدات فيه إرادية عقلية، مع أنها غير إرادية وغير عقلية في الحقيقة، فجميع تاريخ المعتقدات الدينية والمعتقدات السياسية يشتق من هذه المبادئ الأساسية، ومثل سريان المعتقد في اللاشعور بفعل العدوى النفسية والتلقين والنفوذ، إلخ، دورا في حياة الشعوب أعلى من الدور الذي مثله العقل فيها. •••
وتقوم الوجدية على الخضوع لأوهام بالغة من القوة ما تتفلت معه من سلطان العقل، وتاريخ البشرية هو تاريخ هذه الأوهام على الخصوص، وتنمو الأمة إذا ما حازت أوهاما دينية أو سياسية قادرة على تحريك جهودها، وهي تميل إلى الزوال عندما يأخذ سلطان هذه الأوهام في الذبول.
ويعد العامل الوجدي جزءا من تلك القوى النفسية المجهولة التي لم يصنع التاريخ غير رسم دراستها رسما خفيفا فقط، وبما أنه لا يمكن تصنيف الوجدية ضمن الحوادث العقلية، ولا ضمن الحوادث العاطفية، فإنه يجب أن تعد حالا نفسية خاصة مشابهة بعض الشبه للحال الناشئة عن القوى المنومة، فالمنوم يقع تحت سيطرة المنوم المطلقة، ويوجب المعتقد نتائج مماثلة لتلك، ولكن مع طول دوامها بدلا من أن تكون موقتة.
وقد بلغ الدور الذي مثلته المعتقدات الوجدية ذات الشكل الديني من الأهمية في ثبات الذاتيات الفردية والجماعية، ما لا يكون من المبالغة أن يقال معه إن معظم تاريخ الأمم مؤلف من تاريخ آلهتها.
وكان أجدادنا في مدة ما قبل التاريخ، التي ترجحت بين خمسين ألف سنة ومائة ألف سنة، والتي مرت قبل الحضارات، يبقون ملازمين لدائرة اللاشعور غير مبالين بالبحث عن المصير، وكانت الولادة والموت يلوحان حادثين طبيعيين غير محتاجين إلى إيضاح، وكان الغذاء والتناسل وحدهما يعدان حافزين إلى السير.
ناپیژندل شوی مخ