الخلق والذكاء
تجد الموجودات على الرغم من تقلبات ذاتياتها الممكنة التي درست أمرها في فصل آخر، مطوقة ببعض المؤثرات الدائمة، الإرادة والثبات، إلخ، المقيدة لذبذباتها، فمن مجموعها ما يسمى: الخلق.
1
وعلى الدوام سيطرت الأمم ذوات الخلق القوي على الأمم ذوات الخلق الضعيف أو المتردد مهما كان ذكاؤها، ومن ذلك أن الرومان قهروا الأغارقة بسهولة، وذلك في زمن كان الرومان فيه قليلي التمدن، وكان الأغارقة فيه أرقى بدرجات من قاهريهم ذكاء وثقافة.
ويستمر ذات الحادث على الظهور في الأزمنة الحديثة، ومن ذلك أن عبد ثلاثمائة مليون من الهندوس يمتازون بمعارفهم الفنية والفلسفية بسبب خلقهم الضعيف، وذلك من قبل جيش إنكليزي لا أهمية له عددا.
ويدل مجرى التاريخ كله على كون شأن الخلق أشد نفوذا بمراحل من شأن العقل في مصير الأفراد والشعوب.
2
والخلق هو ناظم السلوك الحقيقي، ويصلح الذكاء للإيضاح والتمييز على الخصوص، وتكمل الصفات الذهنية بالتربية، ويكاد الخلق يتفلت من سلطان التربية تماما.
والخلاصة أن من الممكن أن يقال إن المجتمعات الحديثة مؤلفة كما يلوح من تنضد عالمين مختلفين تماما، أي: عالم العلم الذي يهيمن عليه الذكاء، وعالم الحياة الاجتماعية الذي يوجه بمشاعر يتألف منها الخلق.
وتنبجس الاختراعات التي تحول ناحية الحضارات المادية من عالم العلم الذي يوجهه صفوة الأذكياء، وتنشأ المنازعات والأحقاد التي يضطرب بها تقدم الأمم غالبا، وتهدد بالقضاء عليها، عن العالم الاجتماعي.
ناپیژندل شوی مخ