189

انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

ژانرونه

ولقد كانت الميتافيزيقا التي قال بها برنجل - باتيسون مثالية، لها مراكز أساسية ثلاثة هي الطبيعة والإنسان والله. فالمثالية في هذا المذهب ليست عنصرا فيه بقدر ما هي تكون الأساس العام للكل، وقوتها الدافعة إنما تكون في الفكرة القائلة إن الطبيعة لا يمكن تصورها موجودة بذاتها، وإنما هي لا تتصور إلا بوصفها عاملا في كل أكبر، تجد من خلاله القيم الروحية تعبيرا عنها؛ فرفض أية صورة من الفلسفة الطبيعية

naturalistic

هو أمر تحتمه الاعتبارات الأخلاقية، غير أن المثالية لا يمكن البرهنة عليها، فهي ترتكز أساسا على اعتقاد مطلق، لا تبرره الحجج الإيجابية بقدر ما تبرره استحالة الفرض الطبيعي المضاد له. ومن ثم فهي ليست نظرية جامدة، وإنما هي قوة حية وإيمان، هو الإيمان بأن الطبيعة ليست أصلا للروح أو نقطة بداية لها، وإنما هي تتخذ من الروح غاية ونقطة نهاية لها.

وبهذا المعنى يكون مذهب برنجل - باتيسون متركزا حول الإنسان، فهو يرتكز، لا على الأصل أو نقطة البداية، وإنما على الغاية أو الهدف. وهذا الطابع الغائي يزداد وضوحا في مذهبه في الإنسان أولا، ثم في مذهبه في الله، الذي بلغ فيه هذا الاتجاه قمته. فهو يعمل على توسيع وتعميق تصوره للإنسان كما عرضه في كتابه «الهيجلية والشخصية»، دون أن يغير أيا من نقاطه الأساسية. وهنا تظهر مرة أخرى معارضته للمذهب المطلق، ولكنها تظهر هذه المرة عن طريق نقده، لا لهيجل ذاته أو للهيجليين الإنجليز الأوائل، وإنما للهيجليين المتأخرين، ولا سيما برادلي وبوزانكيت. أما وجهة نظر برنجل باتيسون فهي، على خلاف هؤلاء، أقرب إلى آراء ماكتجارت وسورلي وراشدال. ويمكن تلخيصها على النحو الآتي: فكل ذات متناهية هي فرد لا نظير له، ويقع مركزها في داخلها، وتكون عالما لنفسها، وهي مركز للكون غير قابل للتكرار. وليست الذات، كما قال برادلي، مجرد معبر يوصل إلى حقيقة مطلقة تلتهمها وتبدلها، بل إن لها، على العكس من ذلك وجودا وقيمة خاصة بها ، وطبيعتها هي ما تكون عليه في الزمان والمكان الراهنين، لا ما يمكن أن تكون عليه في المستقبل. ومن المحال إغراق الذات في كل أعلى، أو تحقيقها لذاتها بالفناء في غيرها، فهي ليست نعتا للمطلق، على حد تعبير برادلي، وإنما لها كيان الاسم القائم بذاته (وإن لم يكن هذا الكيان جوهريا)، وهي مركز يكتسب فيه مضمون متعدد الأوجه وحدة باطنة هي وحدة ذات فريدة. أما من وجهة النظر الأخلاقية فإن الذات تعد إرادة متكونة، مستقرة، محددة، ومصدرا لأفعالها الخاصة، التي تضطلع تبعا لذلك بالمسئولية الكاملة عنها. وليست الذات نقطة التقاء أو مفرق طرق بالنسبة إلى قوة غريبة عنها، بل إنها هي التي تتحكم في مصيرها، وهي حرة خلاقة وتنتمي الحرية إلى قلب طبيعتها؛ إذ إنها هي الشرط الأساسي لأية حياة أخلاقية. فكوننا أحرارا هو حقيقة لا تفند، ولا تتأثر بجميع الصعوبات التي تعترض طريقنا عندما نحاول إيضاح الطريقة التي نكتفي بقبولها. فالفردية، ومعها الحرية التي تكون مركزها، هي المبدأ الأساسي للعالم الحقيقي.

وتحتل فكرة الشخصية الإنسانية هذه - باستقلالها وحريتها وعدم قابليتها للفناء - موقعا مركزيا في مذهب برنجل-باتيسون؛ إذ إن كل شيء آخر يرتبط بها ويتحدد بوساطتها، بل إن فكرة الله ذاتها، مهما كان بحثها أساسيا بالنسبة إلى كل ميتافيزيقا، مستمد من هذه الفكرة ضوءا وتكتسب مكانتها بفضلها. فالله، كالطبيعة، ليس نقطة بداية بالنسبة إلى الإنسان، وإنما هو يعرف بأنه نقطة النهاية بالنسبة إليه، وذلك على خلاف معظم مذاهب الألوهية. وهكذا فإن المبالغة في تأكيد الشخصية المتناهية، الذي أدى عند ماكتجارت إلى الإلحاد، قد أدى عند برنجل - باتيسون، الذي كان شعوره الديني أقوى بكثير، إلى تكييف فكرة الله مع فكرة الإنسان. أما عن العلاقة بين العالم والله، فإنه يرى أن كلا منهما وسيلة للآخر، فليس الله خالقا عاليا أوجد العالم ثم تركه لمصيره، أي تركه ليسير في طريقه آليا، وإنما هو كائن في العالم، وهو خالق بمعنى أنه يتكشف أزلا فيه، ويضفي أزلا على تناهي العالم وعرضيته فيضا من طبيعته اللامتناهية التي لا ينضب معينها. فالمتناهي والإلهي لا يوجدان إلا وبينهما مبادلة، وتغلغل عضوي متبادل.

وبالمثل، فليس الإنسان والله حقيقتين مستقلتين، وإنما يستمد كل منهما معناه من الآخر. فالله يحتاج إلى الإنسان بقدر ما يحتاج إليه الإنسان، ولا يكون لله معنى إذا ما استبعدت عنه كل علاقة بحياتنا الشخصية، وبالمثل لا يكون للإنسان معنى إذا ما عزل عن أساسه الخالق. ولا يمكن أن يكون معنى الكون وقيمته منحصرا في تنازل الأفراد المتناهين عن ذواتهم لكي يستوعبها اللامتناهي، الذي لن يستمد من ذلك أي تعميق أو إثراء لطبيعته، بل إن وجود مراكز فردية للتفكير والفعل هو ذاته إثراء وإعلاء للكل في هذا العالم الحالي، وكلما ازداد لهيب الحياة الفردية لمعانا ونقاء، كان ذلك الإثراء أعظم وأعمق، ولو دمرت حياة فردية واحدة لكان في ذلك إقلال من قيمة الكون، فالقيم العليا لا تتحقق إلا في حياة الأشخاص ومجموعات الأشخاص، أي في اتصال الأفراد المتناهين بعضهم ببعض وبالله. ولهذا السبب كان من المستحيل على المطلق أن يصبح بنفسه ذاتا حقيقية. ولا يتحقق المطلق أو الله بمعناه الكامل، ولا يغدو إلها حقا إلا عندما تترك للأفراد سلامتهم الكاملة إلى جانبه، وعندما يدخلون في اتصال معه، وبذلك يعلون من قيمته.

والنتيجة المنطقية لقدرة الشخصية الإنسانية على إعلاء الألوهية، هي أولوية الإنسان بالنسبة إلى الله. ولقد علق الدكتور تمبل

Temple

على كتاب برنجل باتيسون قائلا: إن الله قد أصبح مجرد نعت لاحق بالكون،

97

ناپیژندل شوی مخ