186

انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

ژانرونه

وهكذا فإن نظرية ماكتجارت في الزمان تؤدي إلى نفس النتيجة التي تؤدي إليها فلسفة برادلي، وإن تكن ترتكز على مقدمات مختلفة تماما، هذه النتيجة هي التمييز بين المظهر والواقع، وفي هذه النقطة تكمن الأهمية الخاصة لنظرية ماكتجارت. ومعيار التمييز بين المظهر والواقع هو الإطار الأولي للتطابق المحدد، فكل ما لا يمكن إدخاله في هذا الإطار، ينزل توا إلى مرتبة المظهر، بينما يعد واقعا كل ما يمكن إدخاله فيه، وبهذا المعيار تنحط المادة، وكل المعطيات الحسية، إلى مرتبة المظهر، فلو كانت المادة موجودة، لكانت قابلة للانقسام إلى ما لا نهاية، ولكانت أجزاؤها اللامتناهية في الصغر خاضعة لمبدأ التطابق المحدد. ولكن يبدو أن مثل هذا التقسيم للمادة إلى ما لا نهاية أمر لا يمكن القيام به، وعلى ذلك لا يمكن أن تكون المادة موجودة.

أما بالنسبة إلى العلوم الطبيعية فسيان أن توجد المادة أو لا توجد؛ إذ إن الأمرين معا فرضان ميتافيزيقيان لا يمسان العلم ولا الحياة اليومية. وهكذا فإن ماكتجارت، مثل برادلي الذي استعان كثيرا بحججه في هذا الموضوع، يرفض التسليم بوجود المادة، لا لشيء إلا لأن في هذا استخداما غير سليم للميتافيزيقا.

والآن نصل إلى لب ميتافيزيقا ماكتجارت، أعني المذهب القائل إن الواقع روحي في أساسه، فكل ما يوجد روح ولا شيء غير الروح، بالمعنى الميتافيزيقي الخالص الكامل للجوهر الروحي كما فهمه باركلي مثلا. وعند هذه النقطة تتلو كل التحديدات الأخرى للطبيعة الميتافيزيقية للعالم من الاستنباطات الأولية للباب الأول من الكتاب، فمساواة الجوهر المبدئي بالواقع في ذاته أو بالمطلق، تعني إيجاد تناظر بين الأجزاء المبدئية وبين تلك الكائنات الروحية التي نسميها أشخاصا أو ذوات. ولما كانت الذوات هي قبل كل شيء مدركة للأجزاء الثانوية، فإن هذا التناظر يمتد إلى إدراكات هذه الذوات.

وهكذا فإن للذوات منزلة ميتافيزيقية خاصة، صحيح أن من الواجب تصورها على أنها متجمعة في وحدة الجوهر المطلق، وعلى أنها هي التنوع الأولي له، ولكن الرد على ذلك هو أن طبيعة الواقع تتكشف في التنوعات على نحو أعمق مما تتكشف في الوحدة العليا. والمثل الذي يفضل ماكتجارت أن يضربه لإيضاح العلاقة بين الكل وأجزائه هو تشبيهها بعلاقة مجمع وأعضائه، فكلاهما كيان روحي، غير أن الأعضاء وحدهم هم الأشخاص بأي معنى أصيل لهذه الكلمة، بينما المجمع ليس هو ذاته شخصا، وإن يكن وحدة روحية لأشخاص. ففي آخر الأمر لا يوجد بالفعل إلا الأشخاص، وهم وحدهم الذين يؤلفون مكونات الكون، مفهومة بالمعنى الميتافيزيقي. وهكذا نجد أن الوجه التعددي يعد هنا، كما يعد في الجزء الأول من الكتاب، أهم من الوجه الواحدي، وإذن فالمطلق وحدة من أشخاص، ونسق من الذوات، ترتبط بعضها ببعض كما ترتبط أجزاء الجوهر التي أوضحها في الجزء الأول.

والواقع أن طبيعة الشخصية المتناهية وقيمتها لم تدرك وتدعم، في أي مذهب معاصر آخر، بقدر ما أدركت ودعمت في مذهب ماكتجارت. ومن الممكن أن توصف الفكرة القائلة إنه لا شيء حقيقي بالفعل إلا الأشخاص المتناهون، بأنها هي الاقتناع الفلسفي الأساسي عند ماكتجارت، فمذهبه كله يدور حولها، واستنتاجاته الأخرى تتلو كلها منها، ومن هنا كان ذلك الإحساس الذي يتملكنا بأن من وراء كل ذلك الدرع السميك من الاستنباطات الأولية، يوجد ذهن يضطرم في باطنه بالانفعال؛ مما يدل على وجود طبعة عميقة من التفكير غير الشكليات والتجريدات التي تسود كتاباته، ومما يزيد هذا الشعور قوة، تلك الصفات الأخرى التي ينسبها إلى الشخصية، فالذات كيان مستقل، له خصائصه الفريدة، وهي جوهر روحي يوجد لذاته تماما، ولها فردية كاملة، بحيث تختلف كل ذات اختلافا أساسيا عن الأخرى، ومن هنا كان من اليقينيات النهائية المطلقة أن الذات لا يمكن إدماجها في أية ذات أخرى، أو في جزء من ذات أخرى، لا سيما في تلك الوحدة العليا التي تسميها الفلسفة بالمطلق، ويسميها الدين بالله. وترجع المكانة الميتافيزيقية العليا للذات إلى أنها في أساسها لا تتعرض للتغير، ولما كانت توجد بهذا الوصف أزلا، ولا بداية لها ولا نهاية في الزمان، فلا يمكن أن تكون قد خلقت في وقت ما، ولا يمكن أن تفسد أبدا. فإذا سلمنا بفكرة الذات، كانت فكرة الخالق مستحيلة، وإن كان ثمة إله، فلا يمكن أن يكون قد خلق الذات؛ إذ إن هذه توجد بنفس الأزلية التي يوجد الإله بها. وهكذا فإن الذات خالدة، بمعنى أنها توجد في أزلية لا زمانية، فلا بد إذن أن يكون وجودها قديما مثلما هو دائم؛ ذلك لأن هويتها لا تكون في استمرار الوعي أو في الذاكرة، وإنما في ثبات جوهريتها الروحية. والواقع أن الوعي ليس جزءا من الطبيعة الأساسية للشخصية، ومن الممكن أن يختفي دون أن تتأثر هذه. كما أن فقدان الذاكرة لا يؤثر في الخلود بحال؛ إذ إن حياتنا الحاضرة تبدو لنا حينئذ ذات قيمة كاملة، على الرغم من أننا لا نؤكد حياة سابقة وليست لدينا أدنى فكرة عن حياة مقبلة. كما أن هذا القول لا تدحضه الحجة القائلة إن من الممكن أن نكون قد مررنا في الماضي، وأن نمر في المستقبل، بمراحل متعددة تناظر تلك التي تبدأ، في حياتنا الراهنة، بالميلاد وتنتهي بالموت. ففكرة تعدد الحيوات، وتكرر الموت، ليست خلوا من المعنى، بل هي مرجحة إلى حد بعيد.

وتؤدي فكرة الخلود عند ماكتجارت إلى اتخاذه موقفا مميزا إلى حد بعيد، يبدو ممتنعا لأول وهلة، ولكنه يتلو بالضرورة من مقدماته، وأعني به أن الإيمان بالخلود، على الرغم من شيوع ارتباطه في الدين والفلسفة بالإيمان بالله، يمكن أن يوجد ويظل قائما دون هذا الأخير، فليس بينهما ارتباط منطقي. وبالمثل لا يوجد ارتباط كهذا بين المثالية ومذهب الألوهية، فلا يمكن أن يكون للشخصية، كما رأينا، مستوى أعلى من مستوى الذوات المتناهية، التي يمكن أن تتضمن فيها، أما المطلق، فهو قطعا لا شخصي، مهما كانت طبيعته الإيجابية، ومن المؤكد أن تسمية هذا المبدأ اللاشخصي بالإله هي تسمية غير صحيحة، ولكن إذا لم نوحد بين المطلق وبين الإله، فما هي الأفكار التي تتبقى لدينا لكي نلحقها بهذا الأخير؟ إن من المحال تبرير صفات الخيرية الكاملة والقدرة الشاملة للإله، نظرا إلى ما في العالم من شر، وإلى أسباب أخرى. والسبيل الوحيد إلى المحافظة على الطابع الأخلاقي للإله هو أن نفترض أن قدرته محدودة، وستكون الفكرة الناجمة عن ذلك، أعني فكرة إله يصبو إلى الخير ويصل إليه ظافرا، مرضية للذهن إلى حد يفوق بكثير فكرة إله كامل الخير، وأقوى منها احتمالا. كذلك لا يمكن أن يكون الإله هو الخالق؛ إذ إن الشخصيات المتناهية - كما لاحظنا من قبل - أزلية. وهكذا فإن النظرة الوحيدة التي يمكن تبريرها هي تلك التي لا يكون فيها الإله ذا قدرة شاملة ولا خالقا، والسبب الوحيد الذي لا ينبغي من أجله أن نؤمن بوجود مثل هذا الإله هو أنه لا يوجد أساس معقول يبرر ذلك. وهذا أنموذج واضح لطريقة ماكتجارت في البرهان، ونتيجته - كما هو واضح - أن فكرة وجود إله، وإن لم تكن بالطبع متناقضة، هي مسلمة غير ضرورية على الإطلاق. وهكذا استخلص ماكتجارت النتيجة الإلحادية لمذهبه، بكل ما تميز به فكره من صلابة وجرأة، وما عرف عنه من إحجام عن أية تضحية بالمعقولية وأي تراجع أمام الآراء السائدة. غير أن إلحاده بطبيعة الحال مختلف تماما عن المذاهب التي تتباهى عادة بهذا الاسم، فمن المستحيل مثلا أن يسمى إلحاده لا دينيا، وإنما هو يتمشى مع بعض صور الدين، كالبوذية وبعض المذاهب الشرقية الأخرى. ومما يثبت ذلك أن مقدماته الأولى - وهي النظرة المثالية إلى الطبيعة الروحية للعالم، والإيمان بخلود النفس البشرية - كانت ترتبط دائما بفهم للعالم في ظل الألوهية.

والعنصر الأخير في ميتافيزيقا ماكتجارت هو دليل آخر على أن إلحاده لم يكن لا دينيا، فقد نظرنا إلى الذات حتى الآن في ذاتها وبذاتها، فماذا نقول عن علاقة الأشخاص بعضهم ببعض؟ إن استقلال الذات، الذي رفعه مذهب ماكتجارت إلى أعلى المراتب، لا يعني أن الأشخاص منعزلون، كل منطو على نفسه في ذاتيته، وإنما هم - على العكس من ذلك - يرتبطون بعضهم ببعض ارتباطا حيويا عميقا متبادلا، وأهم علاقة تربط بينهم - وبالتالي تلك العلاقة التي تربط بين الأشياء جميعا - هي الحب، أي العاطفة التي تحس بها ذات نحو أخرى، هذه العاطفة تنبثق من شعور بأوثق الارتباط والتوحد مع الذوات الأخرى. وهذا الارتباط ميتافيزيقي، كامن في ماهية الشخصية ، وليس شيئا يتعين إحداثه أو إيجاده. ومن هنا فإن الحب، الذي ينشأ من الطبيعة النهائية الذاتية

selfhood ، لا يمكن أن يكون شيئا سطحيا أو خارجيا، وإنما هو عميق باطن أساسي؛ ولذا كان مشحونا بعمق وانفعال لا نظير له، وهو أعظم خير يتسنى للبشر أن ينالوه، وأرفع قيمة ينطوي عليها الكون، وهو يعبر عن الانسجام الكامل الذي توصل إليه العالم في مرحلته الأخيرة، مرحلة الذاتية

selfhood ، وهو الضمان الوحيد على أن ماهية العالم خير وليست شرا.

ومن الطبيعي أن الحب لا يجد في حياتنا الراهنة أكمل صورة له، بل إن هذه الصورة لا تتحقق إلا في ذلك الوجود الذي يتجه إليه كل سعي لنا، والذي يسميه ماكتجارت - محتفظا بتخطيطه المجرد حتى النهاية - بالحلقة الأخيرة في السلسلة ج، غير أن هذه الصورة المنطقية لا تعود هنا إلا شبحا هزيلا خاويا، عاجزا عن التعبير عن تلك النار والسورة الباطنة التي يصور بها المفكر، بعد أن تحول الآن إلى متصوف، هذه الغاية النهائية. فالمرحلة الأخيرة، التي لها بداية ولكن ليست لها نهاية، هي مرحلة الحقيقة المطلقة، وقيمتها أعظم من قيمة جميع المراحل السابقة مجتمعة، ففيها تنال الحقيقة نصرها النهائي على الخطأ، والسرور على الألم، والخير على الشر. صحيح أنها ليست خالية من الشر، غير أن هذا يتضاءل بحيث لا يكاد يبدو إلا على أنه صدى، يتردد فيه الألم الذي كان يجلبه الشر في المراحل السابقة. وهنا يعظم الحب إلى حد أنه يتغلغل في كل شيء ويسيطر عليه، وتحيا فيه الأشياء كلها وتتحرك وتكتسب وجودها، ففي الحقيقة المطلقة تحب كل ذات أية ذات أخرى تدركها مباشرة، هذا الحب الكامل ليس هو حب الحقيقة أو الخير أو الفضيلة، وهو ليس انفعالا جنسيا، بل إنه ليس حب الإنسان لله، وإنما هو قوة دافقة غامرة، وهو «مباشر ووثيق وقوي، إلى حد أن أعمق وجدان صوفي لا يعطينا إلا أبسط لمحة عن كماله»،

ناپیژندل شوی مخ