185

انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

ژانرونه

ولكن «ما هو» الجوهر؟ ينبغي، عند تعريفه، أن يضاف الكيف إلى الوجود، فكل ما يوجد ينبغي أيضا أن يكون له كيف، غير أن الكيف لا يعرف، وكل ما يمكننا أن نفعله هو أن نشير إلى أمثلة خاصة له، كذلك ينبغي إضافة العلاقة، وهي بدورها لا تعرف. فلما كان ثمة كثرة من الجواهر، فلا بد أن تقوم بينها علاقات، وإذن فالعلاقات أساسية الوجود. وقد علق ماكتجارت أهمية كبيرة على تصور العلاقة، وقام ببحث دقيق عميق للعلاقات الخاصة. فالعلاقات تختلف عن الكيفيات أو الصفات في أن الأخيرة تكمن في الأشياء، بينما الأولى تقوم بينها. وهكذا فإن الجوهر يوصف (ولا نقول يعرف) بأنه ما له كيفيات أو صفات، وما يدخل في علاقات، دون أن يكون هو ذاته كيفا أو علاقة. وفضلا عن ذلك فكل جوهر مختلف عن كل جوهر آخر، فلا يمكن انطباق وصفه على أي جوهر آخر، وتنظم الجواهر في فئات يمكن أن تتكون من أية مجموعة من جواهر. مثال ذلك (والأمثلة مستمدة من ماكتجارت نفسه) أن رؤساء جمهورية الولايات المتحدة أو مواطنو إنجلترا، يؤلفون فئة، وليس هذا فحسب، بل إن من الممكن تأليف فئة من أشياء لا متجانسة تماما، كالمكتب الذي أجلس إليه، وأقدم أرنب في أستراليا، وآخر دواء تناوله لويس الرابع عشر، هذه الأشياء يمكن إدراكها في نوع من الوحدة، على الأقل وحدة كونها ثلاثة، أو وحدة جمعي الاعتباطي بينها، وليس لنا أن نتساءل فيما إذا كانت الفئة فئة بحق، وإنما يجب أن نكتفي بالسؤال عما إذا كانت مناسبة أو لها أية قيمة، ولهذه النقطة - إلى جانب كونها استنباطا شكليا - دلالة ميتافيزيقية، بمعنى أن كل شيء في الكون يرتبط على نحو ما بكل شيء آخر، ويؤثر في كل شيء آخر، مهما كان من ضآلة هذا التأثير.

والجوهر الذي يشتمل على كل الجواهر الأخرى بوصفها أجزاء له هو الكون، ولتصور الكون ضرورته، بوصفه الوحدة التي ينبغي أن ترد إليها كثرة الجواهر. ولما كان يشمل المضمون الكامل لكل ما يوجد، فلا يمكن أن يكون هناك سوى كون واحد؛ إذ إنه لو وجد جوهران كليان لكان لهما نفس المضمون تماما، ولما أمكن بالتالي تصورهما. وهكذا فإن كل ما يوجد داخل في وحدة نسق محدد تماما، وكل جوهر يرتبط بكل جوهر آخر، بفضل علاقتهما المشتركة بالوحدة الشاملة للكون، وعلاقة أجزاء الكون بعضها ببعض، وكذلك علاقتها بالكل، هي علاقة تبادل أو تعاون، فالكون وحدة عضوية.

وهناك فكرة لها أهمية نظرية خاصة، هي فكرة قابلية الجوهر للانقسام إلى ما لا نهاية، فعدم وجود شيء بسيط بساطة مطلقة، هو أمر واضح حتى على مستوى الإدراك الحسي، كما أن هذه القضية - من وجهة نظر الفكر المحض - واضحة تماما وذات صحة نهائية، فإذا لم يكن هناك حد لقابلية الانقسام في كل الجواهر وكل أجزائها وكل أجزاء أجزائها، فمعنى ذلك أن لدينا تركيبا لا متناهيا في تعقيده وتنوعه، له مراتب في تنظيمه ، وبه عدد غير متناه من العلاقات بين الكل وأجزائه وبين الأجزاء ذاتها. والأداة التي يستطيع بها الفكر أن يتحكم في هذا النسق الشديد التعقيد للعلاقات المتناهية، هي تلك التي يطلق عليها ماكتجارت اسم «التطابق المحدد

determining correspondence ». ولقد رأى ماكتجارت أن هذا التطابق، الذي هو علاقة علية (لا يسمح المجال هنا بالخوض في تفاصيلها أكثر من ذلك) هو وحده الذي يتيح تجنب التناقض الذي تنطوي عليه فكرة القابلية للانقسام إلى ما لا نهاية، ويتيح تنظيم مضمون الكون بأسره بطريقة مرضية منطقيا. وعند تنظيم هذا المضمون على هذا النحو، يظهر في صورة نسق له مراتب، يحتل الجوهر الأصلي قمتها بوصفه الكل الأولى، ثم ينقسم هذا إلى أجزاء مبدئية تتفرع إلى أجزاء ثانوية من الدرجة الأولى، وهكذا إلى ما لا نهاية. وتربط بين جميع هذه الكليات ذوات المراتب العليا والدنيا، وكذلك بينها وبين أجزائها، علاقة تطابق متبادلة التحديد، بحيث لا يكون وصف الجوهر كافيا إلا إذا أوضحت كل أجزائه وعلاقتها بعضها ببعض وبالكل، ويسمي ماكتجارت هذا النسق من الجواهر، المرتكز على التطابق المحدد، باسم النسق الأساسي للكون.

ومن الممكن بصفة متساوية - من الناحية النظرية الخالصة - أن يعد مذهب ماكتجارت مذهب وحدة أو مذهب كثرة، وذلك تبعا لتركيز اهتمامنا على وحدة الجوهر أو على كثرة أجزائه. ولا شك في أن ماكتجارت، حين نظر إلى هذه الأخيرة على أنها هي الأهم، لم يكن يستطيع أن يبرر اختياره هذا على أسس أولية، فقد تحكمت فيه اعتبارات تجريبية وعملية، كما سنرى فيما بعد، ومن الواضح أن الأجزاء المبدئية تعزى إليها، في داخل الكثرة، أهمية ميتافيزيقية تفوق أهمية الأجزاء الثانوية لجميع الأنواع، وتفوق أهمية الكل المبدئي نفسه.

أما أولئك الذين لا يرضيهم التعامل الشكلي مع التصورات بقدر ما يرضيهم التبصر الميتافيزيقي الأصيل، فإنهم يجدون في المجلد الثاني من مؤلفه الرئيسي (وفي كتاب «بعض المعتقدات الدينية» الذي أحرز شهرة نسبية، والذي يستبق هذا المجلد الثاني) أكثر مما يجدون في الأول.

ففي المجلد الثاني نزل ماكتجارت أخيرا من الجو الأثيري للفكر الخالص إلى عالم تجربتنا الواقعي، وربط بين نتائجه العامة وبين مشكلات تجريبية معينة، وطبقها نظريا وعمليا. وهو يعرض الأفكار الميتافيزيقية الهامة التي توصل إليها، والتي تؤلف معا نظرة كاملة إلى العالم، على أنها النتائج الضرورية للأساس الأولي. وبإدخال المشكلات الجديدة والمادة الجديدة، يكتسب الجهاز التصوري مزيدا من النمو والتدعيم، بحيث يتعين علينا مرة أخرى أن نجتاز قفارا شاسعة قبل أن نستطيع أن نجني ثمار شجرة الحياة. ولما كانت بعض أفكار ماكتجارت الميتافيزيقية قد ظهرت بوادرها في أول كتبه، كما أن كل أفكاره الأساسية قد ظهرت في كتابه عن الدين، على نحو مستقل تماما عن الأساس المنطقي الذي كنا نبحث فيه حتى الآن، فربما كان لنا الحق في أن نستدل من ذلك على أن الجهاز التصوري قد صمم تصميما لاحقا، وإذا كان الأمر كذلك، فليس في وسعنا أن نقر ماكتجارت على رأيه القائل إن خطته الأولية هي التي تحكمت في استنتاجاته المنطقية، وإنما ينبغي أن نقول، على العكس من ذلك، إن استنتاجاته هي التي تحكمت في هذه الخطة، وإن هذه الخطة قد رسمت فيما بعد لإيجاد أساس لاستنتاجه ولدعمها. وبعبارة أخرى، فإن لمواقفه الميتافيزيقية الرئيسية قيمة مستقلة عن الخطة المجردة، ولها أساسها في ذاتها.

وليس في وسعنا أن ننتقي من المشكلات المتعددة التي عرض لها في المجلد الثاني إلا عددا قليلا لكي نوضح الاتجاه العام لتفكيره على الأقل.

وأشهر هذه المشكلات هي نظرية الزمان، فهو يميز أولا بين نوعين من التعاقب الزمني، ينتقل أحدهما من الماضي إلى المستقبل مارا بالحاضر، ويتألف الآخر من علاقتي «قبل» و«بعد». ففي الأول، الذي يسميه بالسلسلة أ، تتغير الحدود دواما، وينتقل بعضها إلى البعض. أما في الثاني، الذي يسميه بالسلسلة ب، فإن هذه الحدود تكون ثابتة، وترتكز على علاقات دائمة ؛ إذ إنه عندما يقع حادث قبل حادث آخر وبعد حادث ثالث، فإن الترتيب الزمني يكون نهائيا غير قابل للتغيير؛ لذلك فإن السلسلة أ هي السلسلة الحقيقية للزمان، ما دامت تشتمل على صفة التغير التي هي العلامة الأساسية المميزة للزمان. ومع ذلك يبدو، بعد مناقشة طويلة مفرطة في التعقيد، أن السلسلة أ تنطوي على تناقض، وأنها بالتالي لا يمكن أن توجد من وجهة نظر الواقع الحقيقي، وإذن فلا شيء واقعي هو ماض أو حاضر أو مستقبل، أو معرض لأي تغير. إننا حقا ندرك الأشياء في الزمان، ولا نملك إلا ذلك، غير أن كل ما يثبته هذا هو أن الإدراك الحسي لا يصل إلى الأشياء في طبيعتها الحقة، فكل ما في الزمان هو بهذا الوصف مجرد مظهر.

ويستخلص ماكتجارت من عتاده التصوري إضافة أخرى يعبر بها عن هذه الفكرة المميزة للمثالية تعبيرا إيجابيا، فهو يضيف سلسلة أخرى، هي السلسلة ج، إلى السلسلتين أ، ب. وتمثل السلسلة ج العلاقات الحقيقية بين الأشياء، وهي تتضمن الحقيقة التي كان يعبر عنها باطلا في العلاقات الزمنية للسلسلتين الأخيرتين، وكذلك في كل وصف للعلاقات المكانية أيضا، إذ إن المكان بدوره مجرد مظهر، هذه السلسلة تعبر عن العلاقات بين الأشياء على أنها علاقات تضمن منطقي، فهي سلسلة تضمنات لها اتجاه محدد أعم بشكل واضح من الاتجاه المضاد، من حيث إنها انتقال مما له محتوى أكثر فراغا إلى ما له محتوى أكثر امتلاء، ففي أحد الطرفين لا يكون ثمة شيء، وفي الطرف الآخر يوجد الكل، وهنا يستعاض عن علاقة «قبل» في السلسلة ب، بعلاقة «متضمن في»، وعن علاقة «بعد» بعلاقة «متضمن ل»، ونظرا إلى أن الطرف الأخير في السلسلة غير متضمن في أي شيء، فإنه متضمن لكل شيء، ولا يمكن أن يضاف إليه شيء، وواضح أنه هو «الفكرة المطلقة» عند هيجل، وواضح أيضا أن تزايد التضمن في السلسلة ج يناظر التقدم الديالكتيكي للمقولات عند هيجل.

ناپیژندل شوی مخ