152

انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

ژانرونه

ورغم ذلك فإن جرين قد تجاوز الأفكار الإنجليزية الشائعة عن الدولة بكثير؛ فقد أكد بوجه خاص أن الدولة لا ترتكز على القوة، وإنما على الإرادة الحرة لأفرادها، صحيح أن القوة يكون لها تأثيرها في تكوين الدول، ولكن ذلك يكون دائما على أساس حقوق موجودة من قبل ومعترف بها من قبل. والفكرتان لا انفصال بينهما ، فالقوة تنبثق من الحقوق وتؤدي إلى مزيد من الحقوق، وهي بالتالي ليست إلا وسيلة لخلق الحقوق وحفظها. وفضلا عن ذلك فإن غاية الدولة هي حماية الحياة الأخلاقية لأفرادها وضمان هذه الحياة لهم، عن طريق تهيئة الظروف التي تستطيع فيها الشخصية الأخلاقية أن تزدهر وتحقق ذاتها، ومن هنا فإن القوانين هي الشروط الضرورية لهذا التحقيق للإنسان بوصفه كائنا أخلاقيا عاقلا. وإذن فليس لنا أن ندهش إذ نجد لدى جرين اتجاها إلى النزعة السلمية والعالمية. أما كون الدول لا زالت تتخذ من الحرب أداة في سياستها، فإن ذلك لم يكن في نظره دليلا على ضرورة الحرب، بل على انحطاط مستوى الحياة الأخلاقية فحسب. أما عن النزعة العالمية، فإنها لا تسعى إلى تحطيم الدولة، وإنما تشمل القومية في داخلها، وكلما اقتربت الأمة من المثل الأخلاقي الأعلى للدولة، قلت حاجتها إلى خوض غمار حروب مع أمم أخرى؛ لأن نفس القوانين الأخلاقية التي تتحكم في حياة الأفراد في المجتمع تسري بالمثل على العلاقات السياسية المتبادلة بين الأمم.

ولقد كانت مكانة جرين البارزة في أولى مراحل الحركة المثالية، والتأثير القوي الذي أحدثه، راجعا إلى الإعجاب بشخصيته العظيمة، وإلى نجاحه الباهر بوصفه معلما جامعيا، فهو قد أحيا الحركة بطاقته العقلية، وأحيا تعاليمها بنبله وقوته الأخلاقية، وبذلك رفع ما كان يمكن أن يظل مجرد نظرية، إلى مرتبة القوة الروحية الحية. على أن وفاته المبكرة قد قطعت الطريق بقسوة على كل ما كان يمكن أن تحدثه شخصيته مباشرة من تأثير. ولما كان هو ذاته لم ينشر أي مؤلف طويل فيما عدا مقدمتيه إلى هيوم، فقد بدا من المرغوب فيه جمع مخلفاته الأدبية ونشرها، وقد اضطلع بهذه المهمة أقرب تلاميذه إليه، وهو رتشارد ليويس نتلشيب

Richard Lewis Nattleship (1846-1892) الذي أضاف إلى طبعته عرضا عاما لحياة جرين وأعماله. ولقد كان نتلشيب من المتحمسين في تعليم المثالية الجديدة؛ إذ إنه وضعها منذ نعومة أظفاره، إن جاز هذا التعبير. فقد التحق بكلية «جويت» و«جرين» بوصفه باحثا، وظل فيها زميلا حتى وفاته، وكان يشاطر جويت تبجيله لأفلاطون، وتعلقه بروح الفلسفة الأفلاطونية، وهو تعلق أدى به إلى استطلاع معالمها، لا لغرض أكاديمي بحت، بل من أجل تنشيط مستمعيه وقرائه عقليا؛ فأفلاطون كان بالنسبة إليه من الرجال المثاليين، وكان مرشدا إلى الاستقامة والنبل وحكمة الحياة، ومبشرا بنظرة إلى العالم ما زالت صحيحة، وستظل إلى الأبد كذلك، وهي نظرة ينبغي على كل جيل، إذا شاء أن يمتلكها، أن يتدبرها من جديد. وكان موقفه، في مذهبه الفلسفي، مشابها لموقف جرين، ليس فقط في اتجاهه العام، بل في التفاصيل أيضا إلى حد بعيد. وقد تجسدت فيه القوى الأخلاقية والعقلية التي أشعت من جويت وجرين بأصالة وقوة تفوق تجسدها في أي شخص غيره. وكان أفضل أعماله، مثلهما، هو تدريسه الشفوي، وما كان يتجلى فيه من حرارة القول وتعمقه وحدة الذهن، وكان تأثيره أعمق وأبقى بكثير مما قد يستدل المرء عليه من كتاباته القليلة. ولقد نشر هو ذاته، إلى جانب طبعته لمؤلفات جرين، بحثا واحدا هو «نظرية التعليم (التربية) في جمهورية أفلاطون

The Theory of Education in Plato’s Republic » (في مجلة

Hellenica ، 1880)، أما كتاباته الأخرى فقد نشرت كلها من مخلفاته بعد وفاته المبكرة الأليمة في نفس السن الذي توفي فيه أستاذه جرين، وقد نشر هذه المؤلفات أ. ك. برادلي، مع تقديم عرض عام لحياته، في 1897.

43 (3) القسم الثالث: الهيجليون

كان الرائد التالي العظيم للمثالية في إنجلترا بعد جرين هو إدوارد كيرد، ولقد كان سنه مقاربا لسن جرين، وأصبح صديقا لجرين وهو لم يزل تلميذا في أكسفورد، وبدأ عمله في التدريس بعد سنوات قلائل من بداية عمل جرين في التدريس أيضا، ومن هنا فقد كان تعيينه في جلاسجو في 1866 أمرا له أهميته العظمى في نشر الحركة المثالية؛ إذ جعل لها مركزين قويين؛ فقد جعل كيرد من جلاسجو معقلا للمثالية في اسكتلندا. وهكذا بدأ ما يمكن أن يسمى بحركة تطويق للفلسفات السائدة، فتولت أكسفورد أساسا مهاجمة التفكير التجريبي والتطوري عند مل وبين وسبنسر ودارون وهكسلي، ووجهت جلاسجو هجومها، في المحل الأول، إلى مذهب هاملتن الذي كان يسيطر عندئذ على الجامعات الاسكتلندية. وفي هذا الصدد أحدث كيرد انقلابا، فعندما ترك جلاسجو ليخلف جويت عميدا لباليول، بعد سبعة وعشرين عاما من الكتابة والتدريس، كان قد أنشأ جيلا كاملا من الهيجليين الشبان، الذين خلفوه في السيطرة على الأرض التي غزاها، ووسعوها. وبعودته إلى أكسفورد ملأ أخيرا تلك الثغرة التي خلفتها وفاة جرين المبكرة، وأعاد الحركة المثالية إلى الكلية التي بدأت فيها، ودعمها هناك بشخصيته القوية وشهرته اللامعة.

ولقد كانت المهمة الملقاة على عاتق كيرد في توطين الفكر الألماني بإنجلترا مهمة فريدة في نوعها؛ فقد كان سترلنج قد أتم العمل الرائد الأول، غير أن الجهد المضني الذي بذله في كفاحه من أجل استخلاص معنى تفكير هيجل والاهتداء إلى مرادفات إنجليزية لمصطلحاته، قد ترك القناع الذي يحيط بتفكير هيجل هذا على ما هو عليه، إلا بالنسبة إلى فئة قليلة من الأذهان اللماحة، أما جرين فكان تفكيره أكثر استقلالا من أن يتيح له تقديم عرض واضح أمين لتعاليم كانت وهيجل. صحيح أن هذه التعاليم قد دخلت في إطار مذهبه، غير أن من الصعب أن يميزهما المرء، داخل هذا الإطار، الواحد عن الآخر، أو أن يفرق بينهما وبين الأفكار التي استمدها جرين من مصادر أخرى، أو بينها وبين تفكيره الخاص، كما أن أسلوبه الغامض المركز جعل قراءته أمرا عسيرا على أية حال. أما الممثلون المتأخرون للحركة، مثل برادلي وبوزانكيت وماكتجارت، فقد وسعوا الفكر الألماني وحوروه إلى حد يستحيل معه القول إن مهمتهم كانت تقتصر على توصيل مضمون هذا الفكر إلى الإنجليز بأي قدر من النقاء. وهكذا فإن كيرد، الذي كان يقل عن هؤلاء إلى حد بعيد في تقيده بأفكاره المذهبية الخاصة، كان هو الوسيط أو الموصل الحقيقي لتفكير كانت وهيجل، ولكنه لم يضطلع بهذا العمل بروح الموضوعية الجافة التي يتصف بها المؤرخ المحض، وإنما أقبل عليه بحماسة وشغف المريد والداعية المخلص، فتصرف بطريقة فذة في ذلك الكنز الذي آل إليه، وسك منه عملة متداولة يسهل على كل شخص استعمالها بعد ذلك، بل إن كيرد وحده هو الذي يرجع إليه الفضل، لأول مرة في إشاعة استخدام جميع الصيغ والتعبيرات المثالية بين جميع أفراد جيل الكانتيين والهيجليين الإنجليز، وإشاعة السخرية منها بين خصومهم. ولقد كانت لديه قدرة فذة على التعبير عن أمور عسيرة غامضة بلغة واضحة سلسلة بديعة، وأدى تحويله لالتواءات كانت وألغاز هيجل إلى أسلوبه المشرق الوضاء، إلى زيادة قدرة اللغة الإنجليزية على التعبير الفلسفي، فضرب بذلك مثلا لمواطنيه في كيفية الكلام عن مثل هذه الأمور والكتابة فيها.

وقد توج كيرد هذا كله بشخصية رائعة لها مواهبها الفريدة، غنية بالخصال التي تجذب أذهان الشباب وتأسرها؛ من حماسة وانفعال وإخلاص شديد لقضية عظيمة، وسلاسة التعبير وحرارته، فضلا عن القدرة الأدبية الرائعة التي أشرنا إليها منذ قليل، فهو في إنجلترا يمثل أنقى وأفضل نمط تجسدت فيه روح الهيجلية، وربما نصها إلى حد ما. ولقد تجنب كيرد القيام بأية محاولة من شأنها إضفاء ثبات قطعي على مذهب هيجل، أو فرضه على الناس قسرا، أو تشويهه وتبديده، وإنما استهدف أن ينشر بين الناس، وينقل إلى الآخرين، روح مذهب هيجل وماهيته، اللذين امتلك كيرد ناصيتهما واستوعبهما أكثر من كل من عداه تقريبا، دون أن يكون له من هدف سوى خدمة الحقيقة وبعث حياة جديدة في الفلسفة. لقد بلغ ذهنه من الحيوية ومن الامتلاء بالثقافة القومية والأجنبية حدا جعله لا يرضي بأن يقسم يمين الولاء للتعاليم الحرفية لأي أستاذ بعينه. فلم يكن هيجل بالنسبة إليه إلا آخر وأنضج تعبير عن نظرة مثالية إلى الأمور ظلت حية منذ أيام اليونان، لا بين كبار الفلاسفة فحسب، بل عند الأدباء المبدعين أيضا. وإن كتابه «مقالات في الأدب والفلسفة» ومحاضرات جيفورد التي ألقاها في موضوع الإلهيات عن فلاسفة اليونان، لتشهد باتساع أفق نظرته إلى المثالية بوصفها روحا باقية يعترف فيها بكل ما هو رفيع ونبيل وجميل في الإنسان، ويتحقق فيها على أكمل وجه، وهي روح كانت حية في العصر الوثني القديم، مثلما كانت حية في المسيحية، وفي دانتي وجوته، وفي روسو وورد سورث وكارليل. ولقد كانت مثالية هيجل شيئا عاشه الفيلسوف مثلما علمه، ولم تكن نصا جامدا أو نسقا من الأفكار المجردة، وإنما قوة من قوى الحياة، تجدد الإنسان من الباطن. ولم يبدأ الاكتساح الظافر للحركة المثالية الإنجليزية إلا عندما أضفى عليها كيرد، زعيمها المعترف به بعد وفاة جرين، روحا منشطة استمدها من ذهنه الرفيع، وأذاعها على القاصي والداني بكلماته القريبة إلى الأفهام، وجمع حوله حلقة من التلاميذ الذين تشربوا نفس الروح، وضمنوا استمرار عمله. والحق أن أي معلم للفلسفة لم يغرس في ذلك الوقت مثل ما غرسه إدوارد كيرد من البذور المثمرة، ولم يثر ما أثاره من الحماسة، ولم يلق ما لقيه من الإعجاب والاحترام.

فإذا تأملنا كتاباته، لكان أول ما يلفت أنظارنا فيها هو أن حوالي 2000 صفحة قد كرست لكانت، على حين لا يوجد عن هيجل إلا كتاب صغير شعبي إلى حد ما، وعلة هذه الحقيقة الغريبة هي اقتناعه بأن أهم ما في هيجل يمكن أن يفهم أولا، بمزيد من الوضوح، عند كانت، وإن كلمة «فندلبنت

ناپیژندل شوی مخ