انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرونه
الفصل الأول
الحركة المثالية الجديدة
(1) القسم الأول: أصلها واتجاهها العام
نعني بالحركة المثالية الجديدة تغلغل المثالية الفلسفية الألمانية في الفكر الإنجليزي. ولم يصبح هذا التغلغل ملحوظا إلا في العقدين السابع والثامن من القرن الماضي، أي بعد جيل كامل من وفاة هيجل. وإذا كانت الصفة المميزة للفلسفة الإنجليزية حتى بداية هذه الحركة هي التزامها بدقة حدود تراثها القومي المنعزل نسبيا، ونفورها من أي عنصر خارجي يقتحم أرضها عنوة، بقدر نفورها من الانقلابات الداخلية، فإن أهمية الحركة الحديثة إنما تنحصر في أنها أحدثت تغيرا تاما، واستحدثت وثبتت أشكالا ومضمونات فكرية جديدة كل الجدة، وأضافت إلى حصيلة الفكر الإنجليزي ذخيرة من الأفكار الأجنبية التي لم تكن تعرف أبدا من قبل. وعلى ذلك فإن المثالية الجديدة، التي كان دخولها إلى إنجلترا يمثل تحولا هاما، لم تكن فقط توسيعا وإثراء وتعميقا هائلا للمحتوى المذهبي للتفكير الإنجليزي، بل كانت تمثل أيضا، وقبل كل شيء، تراجعا تاما عن الأساليب القديمة، وتحويلا لدفة الفلسفة في اتجاه جديد كل الجدة.
على أن هذا الرأي، القائل إن تغلغل المثالية الألمانية في إنجلترا قد أدى إلى الخروج على التراث الفلسفي القومي، يتناقض مع رأي يظهر بين الحين والحين (ولا سيما من جانب الإنجليز)، يقول إن المسألة كلها لا تعدو أن تكون إيقاظا لقوى كانت غارقة في سبات عميق، ولكنها كانت موجودة في الفكر الإنجليزي منذ البداية، وقد ورد أروع تعبير عن هذا الرأي الأخير في كتاب ألفه ج. ه. مويرهيد
J. H. Muirhead
1 (وهو كتاب له قيمة عظيمة، وفائدة توجيهية كبيرة بالنسبة إلى بحثنا هذا)، وحاول فيه أن يكشف عن وجود تيار متصل من التفكير المثالي يمر عبر تاريخ الفكر الفلسفي الإنجليزي بأسره، وأن يثبت أن الحركة المثالية لم تكن إلا امتدادا موسعا عميقا لهذا التيار. على أن الوقائع التاريخية لا تؤيد هذا الرأي، فأيا ما كانت المذاهب والأفكار المثالية الرئيسية التي ظهرت في القرون السابقة، فإن الحركة التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تكن مرتبطة بهذه المذاهب والأفكار لا على نحو مباشر ولا على نحو غير مباشر؛ ذلك لأن هذه الحركة كانت صريحة الارتباط بالفلسفة الألمانية الممتدة من كانت إلى هيجل، ولم تعد أبدا إلى أي تراث إنجليزي سابق. ومما يثبت استحالة كونها قد نبعت من التراث القومي مباشرة، عدم وجود أي تيار مثالي متصل في تطور الفلسفة الإنجليزية، وذلك على الأقل في القرن الذي سبق هذه الحركة مباشرة، أي منذ وفاة باركلي (سنة 1753) حتى ظهور كتاب ستيرلنج عن هيجل (1865). فهذه الفترة على التخصيص هي أبعد الفترات عن أن يقال بوجود اتجاه مثالي إنجليزي فيها، كما لا يمكن الزعم بأن حركة لها من القوة ما لتلك التي نحن بصددها، كان يمكن أن تشتعل جذوتها، وتصبح لها مثل هذه القوة الهائلة بفضل تأثير محاولات قليلة هزيلة متفرقة.
وإذن فعلينا أن نظل على اعتقادنا بأن النهضة الفلسفية في إنجلترا بعد أواسط القرن الماضي كانت ثمرة متأخرة للمثالية الألمانية، وأنها تغذت من مصادر ألمانية، وتغلغلت فيها الروح الألمانية، أو أنها - إذا ما عبرنا عن الأمر بلغة عملية - كانت في أساسها سلعة ألمانية.
وليس المقصود من هذا الإقرار الواقع، لا الحكم، مدحا أو قدحا. فليس هذا موضع الكلام عن التغيرات التي طرأت على السلعة الأجنبية عندما استقرت في الأرض الإنجليزية، ولا عن مدى ارتباطها بالاتجاهات الفكرية القومية، أو بالصور الجديدة التي نمت منها، بل إن من واجبنا بالفعل أن نؤكد أن تغلغل التيار الفكري الألماني لم يحدث بطريقة خارجية محضة، أي عن طريق اهتمامات مدرسية، أو بالقسر والإرغام، وإنما حدث ذلك عندما أصبح ضرورة باطنة؛ ذلك لأنه ليس ثمة شك في أن الظروف المؤدية إلى قبول البذرة الجديدة كانت، في الوقت ذاته، مواتية إلى حد بعيد، وأن العوامل الحاسمة في هذا القبول كانت متعددة ومتنوعة.
فمن الملاحظ أولا، أن الشعر والأدب بوجه عام قد هيأ الجو الذهني لتلقي نظرة مثالية إلى العالم. وكان من أهم العوامل التي ساعدت على البدء في الحركة الفلسفية على التخصيص، ذلك العمل التمهيدي الذي قام به، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، شعراء مشهورون وكتاب آخرون كان موقعهم خارج الأوساط الفلسفية المحترفة، وكان معظمهم على خلاف مع هذه الأوساط. فقد كان شعر الرومانتيكيين هو السبب في ظهور تلك النظرة الجديدة إلى العالم، والموقف الجديد من الحياة، الذي حل محل صور التفكير العتيقة الموروثة من عصر التنوير. وتظهر أولى بوادر المضمون الروحي الجديد، الذي شق طريقه بعد ذلك بوقت طويل إلى الفلسفة بدورها، في أشعار شيلي وكيتس، وورد سورث وكولردج. غير أن صمويل تيلر كولردج (1772-1834) هو الذي كانت له أهمية خاصة من بين هؤلاء جميعا، فهو لم يكن شاعرا ملهما فحسب، بل كانت له أيضا مواهب فلسفية أصيلة، وكان يسعى دائما إلى التعبير عن نظرته الشعرية إلى العالم تعبيرا نظريا إلى جانب التعبير الفني، وفي خلال ذلك مر ذهنه، الذي كان يتصف بقدر هائل من التفتح والمرونة، بتغيرات عدة، فتعرض مرة تلو المرة لتأثير هارتلي وباركلي واسبينوزا وأفلاطون وأفلوطين وكانت وشلنج وغيرهم. وبعد اضطرابات وسورات متعددة، وصل أخيرا إلى نوع من الميتافيزيقا الروحانية التي يمكن التعبير عنها بالحكم الرائعة والأقوال الموجزة أفضل مما يعبر عنها بالطريقة المنهجية الدقيقة. وقد وقف في هذه الآراء موقف المعارضة الشديدة للآراء الفلسفية السائدة في عصره وبلده، ولا سيما مذهب المنفعة التجريبي عند بنتام، الذي كان هو المذهب العصري المنتشر عندئذ. ومن الملاحظ أن الأوساط الفلسفية المتخصصة ذاتها كانت تعترف أحيانا بأن كولردج قد أدخل إلى الفلسفة الإنجليزية روحا جديدة لم تشترك في شيء مع الآراء الراسخة السائدة، كما جاء مثلا في المقالات التي كتبها جون ستيوارت مل في عامي 1838 و1840 عن بنتام وكولردج، والتي أعيد طبعها، «أبحاث ومناقشات»، المجلد الأول، ورغم ذلك لم يظهر أي أثر لتدخل هذه الروح الجديدة في الأوساط الأكاديمية خلال حياة الشاعر، بل ولا بعد وفاته بجيل كامل، وهذا أوضح دليل على أن الأوان لم يكن قد آن لحدوث تجديد مثالي شامل في الفكر الإنجليزي.
ناپیژندل شوی مخ