انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرونه
Rashdall ، وسورلي
Sorley . والواقع أن فلسفة مارتينو في مجموعها قريبة في نواح عدة من فلسفة لوسته، وكانت لها في انجلترا رسالة مماثلة لرسالة لوتسه في ألمانيا.
وعندما نشرت على الملأ، في العقدين التاسع والأخير من القرن التاسع عشر، مؤلفات مارتينو المذهبية الكبيرة (وهي «أنماط من النظرية الأخلاقية» و«دراسة للدين» و«محور السلطة في الدين») أثارت اهتماما كبيرا، ولقيت ترحيبا حارا، ولا سيما من خارج أوساط الفلاسفة المحترفين. ولكنها جاءت أكثر تأخرا من أن تكون مفرق طرق في تاريخ الفكر الإنجليزي؛ ذلك لأن الحركة المثالية المحدثة كانت قد اكتسبت منها قصب السبق، ولم تعد لهذه الكتابات الأهمية التي تمكنها من أن تكون قوة تدفع الفكر إلى الأمام، وإنما استطاعت فقط أن تعيد تثبيت ودعم مواقف تم التعبير عنها بكل دقة قبل ذلك بسنوات عدة، ولم يكن تأثيرها راجعا إلى المضمون الفعلي لما نشرته من تعاليم، بقدر ما كان راجعا إلى كونها وصية أدبية لزعيم مشهور اكتسب احتراما عميقا، وشاهدا على شخصية أخلاقية رفيعة عاشت بقوة الذهن وعلمت الناس كيف يعيشون بها.
ولقد كانت أهم الميادين التي امتدت إليها قدرة مارتينو واهتمامه الفلسفي هي الأخلاق وفلسفة الدين، ولم تكن معالجة المشاكل النظرية الخالصة في نظره غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة تمهد لفلسفته الأخلاقية والدينية وتدعمها؛ لذلك ألحق مناقشة هذه المشاكل ببحثه في طبيعة الدين (في المجلد الأول من «دراسة في الدين»)، ولم يكرس لها كتابات خاصة. وكانت المشكلتان اللتان أبدى بهما اهتماما خاصا هما مشكلتا المعرفة والعلية. ولن نناقش هنا أولى هاتين المشكلتين؛ إذ لم يكن في معالجة مارتينو لها من جديد، أما نظرية العلية فتمهد الطريق مباشرة للمشاكل الميتافيزيقية الكبرى.
فالعلية تعني أولا العلاقة بين عاملين، العلة والمعلول. وتبعا للنظرية السائدة، التي تمثلها المذاهب الطبيعية
naturalistic
التي تسود التفكير العلمي تماما، فإن العملية العلية تحدث في عالم الظواهر. فالعلة والمعلول معا ظاهرتان تربطهما سويا علاقة تسلسل وارتباط ضروري، بحيث تسبق العلة المعلول في الزمان وكأنها هي التي تبعثها، والعاملان معا متجانسان تماما، ولهما نفس الطابع الوجودي. وهكذا فإن العلة هي التعاقب الزمني للظواهر المرتبطة تبعا لقانون ما، ونتيجة ذلك هي نظرية الحتمية، أي كون كل حادث داخلي أو خارجي متحددا تماما تبعا لقانون علي، تخضع له الإرادة البشرية بدورها خضوعا تاما.
وفي مقابل هذا التفسير للعلية، يؤكد مارتينو أن العلة تتسم بطابع الشيء في ذاته، فهي ليست ظاهرة ضمن سائر الظواهر، وإنما هي قوة إنتاجية أصيلة، والمعلول لا يتلو منها بمجرد التعاقب العلي فحسب، بل إن العلة تنتجه وتولده. وهكذا يصبح معنى العلية هو التوليد أو الإنتاج، أي إن العلة تصبح لا متجانسة مع المعلول، وأساس كل المظاهر ذاتها لا يكون في العالم الظاهري، وإنما في عالم لا ظاهري للعلل المنتجة. وينتقل مارتينو بعد ذلك إلى محاولة إثبات أن العلة الحقيقية الوحيدة التي نعرفها هي فاعلية الإرادة، وأن ماهية العلية هي إذن هوية مع الإرادة، غير أن الإرادة تتمثل أولا، وقبل كل شيء، في ذات المرء نفسه أو في الشخصية الإنسانية، ففي تأكيدي لإرادتي أكون على وعي تام بذاتي بوصفها قوة قادرة على إحداث ظواهر، وعلة أصيلة قادرة على تغيير عالم الظواهر. ولكن، على حين أن القوة الناتجة عن فعل الإرادة هي شر ضروري لمثل هذا الاختيار، فليس فيها هي وحدها ما يوضح سبب تغيير معين دون غيره، ومن ثم فإن ماهية فعل الإرادة إنما تنحصر، لا في مجرد فيض القوة، وإنما في قدرة الإرادة على اختيار طريقة معينة للسلوك من بين طريقتين أو أكثر من طرق السلوك المتاحة لها، وفي أن تستقر على هذه الطريقة وتوجه إليها تلك القوة التي تطلقها والتي تحدث التغيير، وبهذا المعنى لا تكون العلية إلا تعبيرا عن إرادة. ولكن من الواضح أن إرادة الإنسان لا يمكن أن تكون هي العلة الوحيدة في العالم بأكمله، فهناك من فوقها الإرادة الموضوعية أو الكونية، وهي ليست إلا إرادة الروح الإلهية التي خلقت العالم وتحدث فيه كل تغير فيما عدا ما يقع في النطاق الضيق المخصص للنشاط البشري. وهكذا فإن الحقيقة الأساسية للعالم هي الإرادة بمعنى الممارسة الحرة للعلية، ويغدو العالم أو الطبيعة مظهرا للإرادة العليا للروح الإلهية.
وهكذا فإن المصادرتين الكبيرتين اللتين تبنى عليهما نظرية مارتينو في العلية، والدعامتين الهائلتين اللتين يرتكز عليهما بناؤه الميتافيزيقي، هما مصادرة حرية الإرادة البشرية والإيمان بسلطة الله، فالأولى هي محو نظريته الأخلاقية، والثانية لب فلسفته في الدين. وترتبط بالإيمان بألوهية المبدأ الأعلى فكرة تجسده في عالم الطبيعة، وفي النفس البشرية معا، كما ترتبط بمصادرة الحرية فكرة وحدانية النفس البشرية وفرديتها الأصيلة وقيمتها اللامتناهية، وتضاف إلى هاتين أخيرا مصادرة ثالثة هي الإيمان بعدم فناء الروح البشرية وببقائها في حياة مقبلة دائما.
وهكذا يتوقف مذهب مارتينو تماما على فكرته عن الحرية الأخلاقية ومعها فكرة الشخصية المستقلة الشاعرة بالمسئولية والموهوبة عقلا؛ فالشخصية الأخلاقية حرة، لا بالنسبة إلى عالم الحوادث الطبيعية فحسب، بل بالنسبة إلى إرادة الله أيضا. إذ على الرغم من أنها تشارك في الروح الأزلية التي خلفتها والتي تكون حية فيها، فإن هذا لا يستتبع فقدانها لاستقلالها ولاكتفائها الذاتي الأساسي، ومع ذلك فليست حريتها ملكا أصليا لها، وإنما تضفيها عليها الإرادة الإلهية. وهبة الحرية هذه هي التي تمكن الشخصية الإنسانية من الاختيار بين السبل الممكنة للسلوك، وبالتالي من الاضطلاع بالمسئولية الكاملة عما تفعل. وعلى هذا النحو لا يكون ثمة قيد على الإرادة الإلهية ولا على البشرية، فالله قد خلق العالم البشري بحريته ووهبه حرية، حتى يتمتع الإنسان، بقدر ما هو شخصية أخلاقية، بحرية تجعله مستقلا عن الإرادة الإلهية. وهكذا يتميز المجالان البشري والإلهي، تميزا واضحا، وبفضل هذا الانفصال بين الإنسان وبين الله ينسجم استقلال المتناهي مع الطابع المطلق للموجود اللامتناهي، ويتم التوفيق بين مذهب الألوهية
ناپیژندل شوی مخ