أقول: ليس مراد أبي الفتح ﵀ ما ظنه، فكيف يذهب إلى أن يقول المجازية متوقفة على اجتماع هذه الأمور الثلاثة؟ وقدحصرت ضرب أمثلة كثيرة للمجاز في كتابه هذا، وكل موضع منها مختص بواحد من هذه الثلاثة فقط، وإنما ذكر هذه الآية ليبين بها أنه قد وجد موضعا اجتع فيه الشروط الثلاثة التي يتوقف المجاز عليها لمعان ثلاثة، مثل قوله في كتاب اللمع: والكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف، فإنه لا يريد أن كل لفظة من الكلام يجتمع لها أن تكون اسما وفعلا وحرفا، إنما مراده أن كل لفظة من الكلام فإنها لا تخلو عن هذه الأنواع الثلاثة، بل تكون واحدا منها أيها كان، ولكنه يتسامح في اللفظ اعتمادا على فهم السامع، وثقة بأن مثل هذا الكلام لا يزال الناس يستعلمونه في محاوراتهم.
فأما قوله: "فإذا عدمت هذه الثلاثة كانت الحقيقة البتة لا غير" جيدا لا اعتراض عليه، لأنه لو عدم أحدها فقط لم تأت الحقيقة متعينة البتة، لأن أحد القسمين الباقيين يكفي في حسن المجاز، وإنما تتعين الحقيقة البتة إذا عدمت الثلاثة كلها.
ومن هذا الموضع يجب أن يفهم معنى قوله: "لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لمعان ثلاثة" لأنه لو كان أراد اجتماع معان ثلاثة لما قال: "فإذا عدمت هذه
= أوجه. الأول أنه جعل وجود هذه المعاني الثلاثة سببا لوجود المجاز، بل وجود واحد منها سببا لوجوده. ألا ترى أنه إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك مجازا، وإذا وجد الاتساع وحده كان ذلك مجازا. ثم إن كان وجود هذه المعاني الثلاثة سببا لوجود المجاز كان عدم واحد منها سببا لعدمه، ألا ترى أنا إذ قلنا: لا يوجد الإنسان إلا بأن يكون حيوانا ناطقا، فالحيوانية والنطق سبب لوجود الإنسان، وإذا عدم واحد منهما بطل أن يكون إنسانا، وكذلك كل صفات تكون مقدمة لوجود الشيء فإن وجودها بوجوده، وعدم واحد منها يوجب عدمه.