د اسلام سپیده

احمد امین d. 1373 AH
104

د اسلام سپیده

فجر الإسلام

ژانرونه

10 .

وقال ابن خرداذبه: «كان عبد الله بن عامر اشترى إماء نائحات، وأتى بهن إلى المدينة، فكان لهن يوم في الجمعة يلعبن فيه، وسمع الناس منهن؛ ثم قدم رجل فارسي يعرف بنشيط فغنى، فأعجب عبد الله بن جعفر به، فقال له: «سائب خاثر» وهو مولى أيضا من فيء كسرى: أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسي، وقد صنع «لمن الديار رسومها قفر»، قال ابن الكلبي: «وهو أول صوت غني في الإسلام من الغناء العربي»

11 .

ترى من هذا كيف كان للفرس أثر كبير في النغمات العربية وفي التوقيع، وليس هذا يهمنا كثيرا الآن؛ لأنه ألصق بالفن، ولكن الذي يهمنا فوق هذا أن العرب نقلوا أيضا عن الفرس صورة مجالس الغناء والاجتماع لسماعه، فكانت - عدا أنها مجالس للغناء - مجالس للأدب يصفى لها الشعر ويرقق حتى يتفق والذوق الموسيقي: أضف إلى هذا ما كانت تستتبعه هذه المجالس من محاضرات أدبية، وقصص جميل، وفكاهات رائقة وتنادر ممتع، وتسابق بين الشعراء والأدباء للظهور فيها، ونيل الحظوة، وناهيك بما كان لهذه المنتديات الأدبية من فضل على الأدب، ومباراة في تهذيبه وتجديده.

ودليلنا على نقل هذه المجالس عن الفرس ومحاكاة العرب لهم ما ذكره صاحب التاج (أخلاق الملوك) من حديث طويل نقتصر منه على ما يهمنا؛ فقد عقد بابا سماه باب المنادمة قال فيه: ولنبدأ بملوك الأعاجم إذ كانوا هم الأول في ذلك، وعنهم أخذنا قوانين الملك والمملكة، وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية وإلزام كل طبقة حظها، والاقتصار على جديلتها (شاكلتها). ثم ذكر ما كان يفعله ملوك العجم مع الندماء من تقسيمهم إلى طبقات ومراتب، ومجلس كل طبقة من هؤلاء، وقال: «وكانت ملوك الأعاجم من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد تحتجب عن الندماء بستارة، فكان يكون بينه وبين أول الطبقات عشرون ذراعا؛ لأن الستار من الملك على عشرة أذرع، والستار من الطبقة الأولى على عشرة أذرع، وكان يأتيهم الأمر من الملك بما يفعلون وما يغنون»، ثم قال: «قلت لإسحاق بن إبراهيم: هل كانت الخلفاء من بني أمية تظهر للندماء والمغنين؟ قال: أما معاوية، ومروان، وعبد الملك، وسليمان، وهشام، ومروان بن محمد فكان بينهم وبين الندماء ستارة، وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذ طرب للمغني والتذه، حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حيث لا يراه إلا خواص جواريه، إلا أنه كان إذا ارتفع من خلف الستارة صوت أو نعير طرب أو رقص أو حركة بزفير تجاوز المقدار، قال صاحب الستارة: حسبك يا جارية، كفي، انتهي، أقصري، يوهم الندماء أن الفاعل لذلك بعض الجواري، فأما الباقون من خلفاء بني أمية فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا ويحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين»

12

وقد ذكر بعد مجالس الخلفاء العباسيين مما ليس من موضوعنا:

إذا كان للخلفاء مجالس للغناء واللهو، وثبت أن هذه المجالس أخذت عن الفرس، وأنت إذا قرأت في كتاب الأغاني رأيت الولاة وعظماء الدولة كانت لهم كذلك مجالس هي صورة مصغرة لمجالس الخلفاء، بل تفوقها في حرية القائلين والمغنين والسامعين، وإطلاق كل منهم القول على سجيته، وأترك لك تقدير ما لهذا من تأثير في الأدب والفن. (الخامس):

يظهر لنا أنه في أواخر عهد الدولة الأموية حول الفرس الكتابة العربية إلى نمط آخر لم يكن يعرفه العرب، وهو نوع الكتابة التي اشتهر بها عبد الحميد الكاتب ومدرسته؛ فقد كان عبد الحميد كاتب مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، ويقول صاحب العقد: «إنه كتب لعبد الملك بن مروان وليزيد، ثم لم يزل كاتبا لخلفاء بني أمية حتى انقضت دولتهم»، ويقول ابن خلكان : «إنه كان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماما ... وعنه أخذ المترسلون، ولطريقته لزموا، ولآثاره اقتفوا ... وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب، فاستعمل الناس ذلك بعده»

13

ناپیژندل شوی مخ