الأمير الحاجّ علاء الدين طبرس الوزيري، وهو من أجلّ الأمراء قدرا، وأنوههم ذكرا، وأوسعهم صدرا، وأعلاهم محلاّ، وأسدّهم عقدا وحلاّ، وأوفاهم عهدا، وأبذلهم في الوقوف عند الإيمان جهدا، بلغه أنه أبى عليهم المرافقة، (وأنف وفاء بعهد الظاهر والسعيد الموافقة) (^١). فاعتقدها الملك السعيد فرصة تنتهز، وموعدة تنتجز، فرسم بكتاب إليه مضمونه:
/ ٢٢ أ / «إنّه قد بلغنا حسن عهده، ووقوفه من الأيمان عند حدّه، وإنه لم يطع القوم، ولا سام على مالنا من سوم، وقد شكر الله ونحن له هذا الوفا، واصطفيناه لنفسنا وحقّ له الاصطفا، وانتدبناه لشفاء ما عرض من مرض غرض فكان مصطفى هذا الشفا. وفوّضنا إليه نيابة سلطنتنا، وعوّلنا عليه في تدبيرها، واعتمدنا على علوّ همّته وجميل تأثيرها. فالمجلس العالي يتلقّى هذه الولاية بالقبول، وليجهد في تبليغ الأمل والسّول، وقد كتبنا إلى أمراء العشرات ومقدّمي الحلقة وأجنادها لكلّ كتابا بمفرده وأمرناهم أن يجيبوا داعيه، وأن لا تكون أذنه لغير أمره ونهيه واعيه. فليعلم ذلك وليجهد في ردّ من خرج عن الوفاء، واقتفى في مخالفة عهده سوء الاقتفاء. ونحن من ورائه جاهدون، ولمرادفته مجتهدون. وقد أصدرناها ورجلنا في الركاب، وتلبية داعيه سابقة لمخاطبة هذا الخطاب في العساكر الشامية ومن استجدّيناه من الأجناد. وما ثمّ - نحمد الله - عاقة عن إنجاده، / ٢٢ ب / ومتابعة اجتهاده. فيهتمّ بما ندبناه إليه، وما عوّلنا فيه عليه. والله يجعل تبليغ المرام طوع يديه».
وكتبت الكتب كما شرح، وجاءت في عدّة أخراج، وحملت على جملة من خيل البريد، وأكّد في إخفائها عن الجاهل، وهيهات تكتم في الظلام مشاعل. فلم يسع البريديّة المتوجّهين بها مع سيء التدبير في كتابتها في غير مطلقات. وشهرة كثرتها بالإخراج الموسيقات. إلاّ أن أحضروها إلى مولانا السلطان برمّتها، ومثّلوها بين يديه بهيئتها، ففكّ ختم بعضها، ووقف على تنويهها وغضّها. وأمر فغسلت عن آخرها، ومحيت آيات الاستنصار من دفاترها.
واسترسل مولانا السلطان في سيره، وجدّ في النزول والرحيل آمنا من ضرر الكيد وضيره.
_________
(^١) عن الهامش.
1 / 46