وكتبت منشوره في قطع الثلثين، وهي عادة صاحب المائة فارس. وسيّر إليه قرينه الخلعة المزركشة، / ٢٠ أ / والشاش الكافوريّ، وهو تناقض بيّن، وتفاوت وجه الهلع فيه متعيّن. فلبس التشريف ولم يقبل المنشور ولا رضي أن يتوجّه بل لاذ بخذلانه من الانتماء إلى مولانا السلطان بالمنصور.
واقتضى رأي الملك السعيد ومن حوله أن ينادي بالنفقة، وعبّيت الدنانير المألّفة (^١) بالإيوان بقلعة دمشق، فما كانت لمن نفر بالمؤلّفة. ولم يحضر أحد إلاّ من لا يؤبه إليه، ولا يعوّل عليه.
فلما لم تتمّ هذه الحيلة، ولا أفادت جلب شرذمة كثيرة ولا قليلة، عقد الرأي على أن يركب الملك السعيد ويتوجّه من طريق الكرك ويسبق القوم ويحصل بقلعة الجبل، وظنّوا أنّ ذلك من أعظم الحيل، فركب ليلا، وركبنا معه، وأمامه الخزانة على الهجن، فلم يجد سبيلا إلى الذهاب، وكاد يزك مولانا السلطان أن يأخذ الخزانة لولا أسرعت في العود والإياب.
وعدنا من ليلتنا إلى دمشق، وأخذ مولانا السلطان في الرحيل قاصدا الديار المصرية في سكون وهدوء وتؤده، / ٢٠ ب / في رواح وغدوّ.
[توسّط والدة الملك السعيد لدى قلاون]
ولمّا استمرّ ذلك من مولانا السلطان حصل الرأي على أن تخرج والدة الملك السعيد إليه، وتدخل دخول الحريم عليه. فركبت في المحفّة السلطانية وفي خدمتها عدّة من المماليك، فأدركت مولانا السلطان وهو سائر في الأمراء الأكابر والعساكر، فحين أقبلت ترجّل مولانا السلطان هو والأمراء الأكابر. وقبّلوا لها الأرض ومشوا ميمنة وميسرة، وكانوا قد قربوا من المنزلة، وضربت على المحفّة خيمة وجلسوا بين يديها. وغضّوا الأبصار عن النظر وإن كانت محجّبة إليها. وأخذت في استعطافهم بكل طريق، وحدّثتهم بما لعظمتهم يليق. وممّا قالته: إن كان لكم غرض في الملك فخذوه ودعوني وولدي ننضوي إلى جهة تختارونها (ولا تؤذوني فيه) (^٢).
فحلف مولانا السلطان: إنّ هذا لم يكن من غرضنا، ولا من شفاء
_________
(^١) الصواب: «المؤلّفة».
(^٢) عن الهامش.
1 / 44