Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini
شرح صحيح البخاري للحويني
ژانرونه
عدم معارضة السنة للقرآن وتبيينها له
نقل ابن عبد البر ﵀ في كتاب: التمهيد عن الإمام أحمد، قال: إن الذين يعارضون الأحاديث بظاهر القرآن عملهم منكر، لا ينبغي أن تعترض على الأحاديث بظاهر القرآن؛ لأن القرآن حمال ذو وجوه، والسنة بينت القرآن، فينبغي أن يؤخذ بالمبيِّن، وهذا معنى قول يحيى بن أبي كثير ﵀: إن السنة قاضية على كتاب الله، وهذا أيضًا كلام الإمام الدارمي، وابن عبد البر، وجماعة من السلف.
سئل الإمام أحمد هل تذهب إلى أن السنة قاضية على كتاب الله؟ فقال: ما أجسر أن أقوله، إنما السنة مبينة لكتاب الله، إذًا: المسألة لفظية فقط، كأن الإمام أحمد كره هذا اللفظ الذي يتصور منه تقديم السنة على القرآن، فلأجل هذا تحاشى الإمام أحمد تحاشى إطلاق اللفظ، وأتى بلفظ يفهم منه المعنى تمامًا، وهو أن السنة مبينة للقرآن.
ومعنى أن السنة قاضية على القرآن أنه إذا اختلف اثنان فيتحاكمان إلى القاضي أليس كذلك؟ كل واحد يدلي بما عنده من دليل، فيقول القاضي: الحق مع فلان، فإذًا: القاضي قضى لفلان بعدما ثبتت حجته وظهرت واستبانت، كذلك السنة.
خذ مثالًا: قال الله ﵎: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة:٢٢٣]، قال الشافعي ﵀: هذه الآية حجة لمن ذهب إلى جواز إتيان المرأة في دبرها، ولكن صح عندنا حديثان في منع إتيان المرأة في دبرها فالسنة قضت على أحد المعنيين في كتاب الله، وهذا معنى أن السنة قاضية على كتاب الله.
أي: أن هناك لفظة في القرآن تحتمل معنيين، فتأتي السنة فتقضي بين المعنيين، وتقول: المعنى الأول هو المراد، والثاني غير المراد، فتكون السنة قد قامت بدور القاضي بين المعاني، فلذلك صارت قاضية على كتاب الله لا أنها مقدمة على كتاب الله.
مثال آخر: قول الله ﵎: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة:٢٢٨]، فذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود ﵄ وغيرهما من الصحابة، وتابعهما جماهير أهل الكوفة، إلى أن القرء حيض، وذهبت عائشة وأبو هريرة وابن عمر وغيرهم وتابعهم جماهير أهل المدينة، وكذلك الشافعي إلى أن القرء طهر، واللغة العربية تمتاز بهذا الباب الذي هو كلمات الأضداد، فبعض الكلمات تحمل معنى وعكسه، والذي يبين المقصود هو السياق.
مثل كلمة: ظن، فالظن معناه الشك، وقد يكون معناه اليقين، كقوله ﵎: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ [البقرة:٤٥-٤٦] فالآية في سياق المدح لهم، فلا يتصور أن الظن شك؛ لأن الشاك في لقاء الله كافر، فالظن بمعنى اليقين الذي لا شك فيه، وكقوله ﵎: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة:٢٠]، وقوله: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية:٣٢]، وقوله: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس:٣٦] .
كذلك كلمة: وراء، قد تعني: أمام، وقد تعني خلف، أما أنها تعني خلف فعلى بابها، أما (أمام) فكقوله تعالى في قصة الخضر: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف:٧٩] أي: أمامهم، لأنه لو كان وراءهم لتجاوزوه، فما هي الحاجة إلى خرق السفينة، فهذه اللفظة تحمل عكس معنى اللفظ الأصلي.
فمن كلمات الأضداد كلمة: قرء، يعني: طهر، وحيض، فأهل الكوفة قالوا: حيض، والدليل على ذلك أن المرأة التي جاءت إلى النبي ﷺ تشتكي نزول الدم منها بصورة مستمرة، وقال لها النبي ﵊: (دعي الصلاة أيام أقراءك)، أي: اتركي الصلاة في أيام أقراءك، فهذا يدل على أن القرء حيض، فالسنة هنا قضت لأحد المعنيين على الآخر، وهذا هو معنى السنة قاضية في كتاب الله، وهي مبينة.
وتصوروا أيها الإخوة! إذا ضاع البيان فهل يستفاد من النص المجمل؟ فهؤلاء يأتون على أحاديث لا يفهمونها على وجهها، فيقولون: هذه مكذوبة، وهذه موضوعة.
نقول: إن الحكم على الحديث بالوضع، أو بالنكارة، أو البطلان، أو الشذوذ، أو الصحة، أو الحسن، إنما يخضع أولًا للإسناد، قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
نتمنى أن تكون هناك نهضة عملية في علم الحديث، لا يظل الحديث في الدفاتر، لكن يجب أن نمارس علم الحديث على الواقع.
لأننا لو مارسنا علم الحديث على الواقع لتقلص كثير من القيل والقال، كل إنسان يكتب كلمة نسأله عن دليله، ثم نسأله من سبقه إلى هذا القول من أهل العلم؟!
5 / 5