61

Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini

شرح صحيح البخاري للحويني

ژانرونه

طعن أهل البدع في صحيح البخاري والرد عليهم يقول أحدهم -ممن اشتهر بتكذيب الأحاديث-: لماذا رد البخاري خمسمائة وستة وتسعين ألف حديث، فرده هذا يوحي بأن هناك علة؟ (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، فالجهل يكون هو الحاكم، فإذا حكم الجهل زاد الشر، ومعلوم أن من علامات قيام الساعة ازدياد الشر، قال أنس ﵁: (ما من يوم يمر إلا والذي بعده شر منه إلى يوم القيامة) . وقد رد الحافظ ابن حجر على الكرماني في مسألة في علم الحديث، والكرماني كان متوسط الفهم في علم الحديث، ولم يكن من أهل العلم الكبار، فـ الكرماني تكلم بكلمة أخطأ فيها، فقال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق كلامه ورد عليه، قال: ومن تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب. فعندما يقول هذا الرجل: لماذا رد البخاري خمسمائة وستة وتسعين ألف حديث؟ هل هذه الرواية أصلًا صحيحة عن البخاري؟ لا، الذي صح عن البخاري أنه قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، أي: أن جملة ما كان يحفظه البخاري ثلاثمائة ألف، وكلمة: (غير صحيح) قد تحتمل ما هو أدنى من الصحيح، مثل: الحسن، والإمام البخاري ﵀ تكلم بمصطلح الحديث الحسن كثيرًا، ومنه أخذ تلميذه الإمام الترمذي هذا المصطلح، وجعل له حدًا، كما في (العلل الصغير) المطبوع في آخر سننه. فالإمام البخاري عندما يقول: أحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، يصح أن نقول: إن الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة والباطلة أكثر من خمسمائة ألف وقد تزيد، لكن الشأن فيما اختاره البخاري في صحيحه. إذا كان الإمام البخاري عنده ملكة في تمييز خمسمائة وستة وتسعين ألف حديث غير صحيح، فمعناه أنه صار إمامًا ناقدًا، فإذا قال: أنا ألفت كتابًا وسميته: (الجامع الصحيح)، أفيتصور أن يورد في هذا الكتاب الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة؟! على هذا المفهوم يكون هذا الرجل إما أنه غاش للمسلمين، أو أنه أوهمهم بأنه سيورد الأحاديث الصحيحة ولم يفعل، وإما أنه جاهل لا يدري الفرق ما بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف والمنكر. ليس علينا بما أنكره البخاري، إنما نقول: لماذا تعديتم على صحيح البخاري، وقلتم: إن فيه أحاديث مكذوبة، وفيه إسرائيليات؟ ثم يقول: إن أبا حنيفة ﵀ كان يحفظ سبعة عشر حديثًا، فإذا كان أبو حنيفة الإمام الكبير الذي مدار الفقه عليه، محفوظه أقل من عشرين حديثًا، فأين هذه الألوف المؤلفة حتى لا يعلمها أبو حنيفة؟ إذًا: كل الأحاديث هذه مكذوبة ومنكرة، بدليل أنها لو كانت هذه الأحاديث صحيحة لكان عند أبي حنيفة أحاديث كثيرة لمجاله الفقهي، وما من مسألة إلا ونحن نحتاج فيها إلى دليل جذري. يذكرني هذا بما ذكره أهل الأدب عن خالد بن صفوان الخطيب البليغ المشهور، أنه دخل الحمام يومًا فرآه رجل في الحمام وكان ابنه يغتسل في الحمام، وأبوه منتظر له خلف الباب، فلما رأى الوالد خالدًا، قال لابنه رافعًا صوته: يا بني! ابدأ بيداك ورجلاك، ثم التفت إلى خالد كالمتباهي، وقال: يا أبا صفوان هذا كلام قد ذهب أهله، فقال له: هذا كلام لم يخلق الله له أهلًا قط. فعلم هؤلاء بالحديث وقبول الروايات مثل علم هذا الرجل باللغة العربية. وهذه الأحاديث السبعة عشر التي ينسبونها لـ أبي حنيفة ﵀ ليست هكذا، إنما القصة: أن علماء الحديث في المدينة كان بينهم وبين مدرسة الكوفة وعلى رأسها أبي حنيفة مشاكل، وأن أهل الكوفة من منظور أهل الحجاز لم يكونوا يهتمون بالأحاديث، ولم يرحلوا في طلبها، ولذلك تكلموا في حفظ أبي حنيفة، فقال البخاري ومسلم وابن معين في رواية، وأحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وابن عدي والدارقطني: إن أبا حنيفة سيء الحفظ، ولذلك خلت الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وابن حبان ومستدرك الحاكم والبيهقي من ذكر أبي حنيفة، ومن رواية أبي حنيفة، على اعتبار أنه سيء الحفظ عندهم. والعلماء من الأحناف أتوا بروايات أخرى عن الأئمة الثقات مثل: ابن معين، وابن المبارك وغيرهم تقول: بأن أبا حنيفة من أحفظ الناس ومن أوثق الناس إلى آخره، حتى قال ابن حبان في المجروحين: إن كل ما لـ أبي حنيفة في الدنيا سبعة عشر حديثًا، ما من حديث إلا قلب إسناده أو متنه، مع قلة ما روى. فالإمام البخاري لو قلنا: إنه أنكر هذا العدد الكبير من الأحاديث ما علينا من هذا العدد، كل الذي نتكلم عنه صحيح البخاري، لماذا تعديتم على صحيح البخاري وقلتم: إن هناك أحاديث مكذوبة؟ إنما كان ذلك لأنكم لم تفهموها، يا ليتكم قرأتم شروح العلماء الذين شرحوا صحيح البخاري، مع أن لصحيح البخاري أكثر من ثلاثمائة شرح وتعليق، وكذلك صحيح مسلم له قرابة مائة شرح وتعليق. يقول السيوطي: وانتقدوا عليهما يسيرا فكم ترى نحوهما نصيرا وليس في الكتب أصح منهما بعد القرآن ولهذا قدما إجماع من العلماء، أنه ليس بعد القرآن أصح من هذين الكتابين، وأن الإمامين لاسيما البخاري ﵀ وضع كتابه على أتقن القواعد العلمية، وشرط البخاري شديد، ومسلم لما رد على علي بن المديني في مقدمة صحيحه وشن الغارة عليه بسبب ضيق شرطه، أما البخاري ﵀ فما كان يقبل من الحديث إلا ما ثبت لديه -ولو في إسناد واحد- من أن هذا التلميذ لقي شيخه ولو مرة واحدة، وبلغ من ضيق شرط البخاري أنه أهمل قبول رواية أهل البلد الواحد، ما لم يقف على إسناد فيه أن فلانًا قال: حدثني فلان، فالذي يبني كتابه على هذا الشرط الضيق الشديد كيف ينتقدونه هؤلاء الجهلة؟ وكل المسألة أن ظواهر بعض الأحاديث تتعارض عندهم مع ظواهر بعض الآيات، فيقولون: حسبنا كتاب الله، ولو ردوه إلى أهل العلم لعلموا الوجه الصحيح.

5 / 4