17

Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini

شرح صحيح البخاري للحويني

ژانرونه

العلم ومكانته في الإسلام إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. رتب الإمام البخاري ﵀ صحيحه ترتيبًا يدل على عمق فقهه وعلمه، فافتتح كتابه الصحيح بكتاب بدء الوحي، وختم كتابه بكتاب التوحيد، فكأنه يريد أن يقول: من أراد أن يخرج من الدنيا على التوحيد فعليه بالوحي. وما بين بدء الوحي وكتاب التوحيد الإسلام كله، والوحي قرآن وسنة، وكانت السنة توحى إلى النبي ﷺ مثلما يوحى القرآن، لكن السنة من لفظ النبي ﷺ، وهو لا ينطق عن هوى نفسه ﵊، قال الله ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:٢٤] . فالخروج من الدنيا على التوحيد يكون بالوحيين، والفرق التي ضلت السبيل إلى الله، إنما سلكت سبيلًا آخر غير الوحي الذي هو السنة، وحتى الوحي الذي هو كتاب الله ﷿ ما استضاءوا فيه بقول الذين نزلَ القرآن وهم شهود، وهم الصحابة، وهم الصحابة، وفي الحديث أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهؤلاء ما اختلفوا في الأحكام الفرعية، كالوضوء، وعدد غسلات الأيدي، والمسح على الرأس، والبيوع والأنكحة، وإنما اختلفوا في الإيمان والتوحيد. فبدأ هؤلاء يضعون متاريس يتقون بها ضربات أهل السنة القائمة على ساق الحجة والمحجة، وبدءوا يؤصلون من عندهم أصولًا يردون بها الأحاديث، فيقولون مثلًا: إن خبر الواحد لا يعمل به في العقيدة، وهذا أصل فاسد، لكنهم أصلوه، لماذا؟ حتى يتقوا به الأحاديث التي هي حجة عليهم، فأهملوا شطر الوحي، فالسنة بيان للقرآن، ومعلوم أن المرء لا ينتفع بالقرآن إلا إذا أخذ بالسنة، فنفى هؤلاء السنة، وكان من جراء نفيها أنهم لم يوالوا أصحاب النبي ﵊. فالإمام البخاري بدأ صحيحه بكتاب بدء الوحي، وثنى بكتاب الإيمان، ليقول لك: إن الإيمان لا يصح إلا إذا كان مؤيدًا بالوحي، فهل يعقل أن أصحاب النبي ﵊ الذين نقلوا تفاصيل هذا الدين عنه نقلًا لا يعلم لأصحاب نبي قط نقل عشر معشاره، حيث نقلوا هذا الدين بهذه الدقة، بتفاصيل دقيقة، بل نقلوا حتى اهتزاز لحيته ﵊ في الصلاة. فأهم المطالب كلها معرفة الله ﷿، فهل يتصور أن هؤلاء الصحابة ماتوا ولم يفهموا هذا الباب؟ إن المبتدعة جميعًا يقولون: نعم. ماتوا ولم يعرفوا هذا الباب. ولو جمعنا المسائل الفقهية التي اختلف الصحابة فيها لكانت بالألوف، وحسبك كتاب: الإجازة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، لـ بدر الدين الزركشي ﵀، وهذا الكتاب أورد فيه مصنفه ما استدركته عائشة، وتعقبته على الصحابة ﵃ -يعني الاعتراض منها على الصحابة- فجمع كتابًا. فلو أردت أن تجمع كتابًا لكل صحابي اعترض على الباقين لطال الأمر، ومع اختلافهم في المسائل الشرعية لا نعلمهم قط اختلفوا في مسائل الإيمان، إلا في مسائل يسيرة ومحكمة، وكان يراجع بعضهم بعضًا في النقل في المسائل الفقهية، لكن في المسائل الاعتقادية لا، وهذا من أكبر الأدلة على أنهم لم يختلفوا في مسائل الإيمان، أو في مسائل التوحيد. فالرسول ﵊ لما قال: (إن الأمة ستختلف على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا وحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي) . فترتيب الإمام البخاري لكتابه ترتيب يدل بعضه على بعض، الأول: بدء الوحي، حتى إذا أراد أحد أن يدخل الدين يدخله من بوابة الوحي؛ لأنك إذا اختلفت معي بعقلك واختلفت معك بعقلي، فلا بد أن يكون هناك عقل سابق يحكم بيننا، فإذا اختلفنا نحن الاثنان فلا بد أن يكون هناك حكم. فمن الذي يحكم بيننا؟ لابد أن يكون هناك عقل كبير؛ نرجع ونتفق عليه، ولا يكون ذلك إلا النبي ﵊، فرجعنا في الأخير إلى تحكيم النبي ﵊ بيننا، وكلامه موجود، فإذا اختلفنا في مسألة من مسائل الإيمان رجعنا إليه، ونظرنا إلى السنة العملية للصحابة، هل اختلفوا في هذا الباب أم لا؟ فإذا لم يختلفوا فلا يتأتى الخلاف، لا يحل لنا أن نختلف، أما إذا اختلفوا فيسعنا كما وسعهم. فإذًا أول باب ندخله هو باب بدء الوحي، ثم أهم المطالب جميعًا الإيمان، فلا يكون الإيمان إلا بالوحي، ثم ذكر ثالثًا: كتاب العلم؛ لأن كل الأحكام الشرعية التكليفية لا تكون إلا بعلم. والإنسان يستغرب عندما يخرج ليشتري جهازًا كهربائيًا، ويعطى رسالة لتشغيل الجهاز وهو (الكتلوج)، واتفق الناس جميعًا على ضرورة الرجوع إلى مثل هذا الكتاب، لفهم هذه الآلة التافهة، فيستغرب المرء أن أقوامًا لا يرجعون إلى الكتاب على الإطلاق، ولكن يدخل ليعبد الله ﷿ كيفما يريد، ولا ينظر إلى مثل هذا الكتاب، والله ﷿ يقول: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان:٥٩] اسأل عن الرحمن من يعرفه، لا تسأل عنه الجهلة الذين لا يعرفونه، لكن اسأل عن الرحمن من يعرفه، وهذا فيه دلالة على ضرورة العلم والتعلم، وأن المسائل الاعتقادية كلها لابد أن تؤخذ من مشكاة النبوة، فلا تؤخذ من عقل، لأن الوحي هو الشاهد، ثم أتى ثالثًا بكتاب العلم بعد كتاب الإيمان وقبل كتاب الطهارة، وهذا يدل على أن كل تصرفاتك تفتقر إلى العلم.

2 / 2