Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini
شرح صحيح البخاري للحويني
ژانرونه
التشويق إلى العلم بذكر فضائله
بدأ الإمام البخاري الكتاب بداية معتادة، فبدأه بعقد باب لفضل العلم، وذلك فيه نوع من التشويق، فقبل أن تَأْمُرَ بالشيء اذكر فضله، وهذا من سداد الحكمة، فالنبي ﵊ لما رغب الصحابة في الجهاد بين لهم منزلة الشهيد، ومنزلة من يقتل في سبيل الله، فتحمسوا، لماذا؟ لأن الله ﷿ لما خلق الإنسان خلقه باحثًا عن الهدف، لا يعمل عملًا مجردًا من الهدف، وإنما يعمل العمل لشيء أو لهدف، وفي الحديث الصحيح: (أن رجلًا قال للنبي ﷺ -وكان النبي قد سأله، ماذا تقول عندما تسجد في صلاتك- فقال: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، لكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال: حولها ندندن) يعني كل هذا الكلام الذي تسمعه ولا تستطيع أن تفهمه، كله من أجل أن يدخلنا الله الجنة، ويعيذنا من النار، كل كلامنا منحصر في هذه الكلمة التي قلتها أنت: نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
ونصب الله الجنة والنار للناس، فنصب الجنة ترغيبًا، لذلك أخطأ من يظن أن العمل لأجل الجنة فاسد، وهذا عند بعض غلاة الصوفية، ويذكرون العبارة المشهورة -التي تعرفونها جميعًا إن شاء الله- عن رابعة العدوية: اللهم إن كنت أعبدك طمعًا في جنتك فاحرمني من جنتك، وإن كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحرقني بنارك، وإن كنت أعبدك طمعًا في وجهك فلا تحرمني من وجهك.
هذا الكلام فيه مغالطة، لأنها لا يمكن أن ترى الله إلا في الجنة، فالله لا يرى إلا بعد دخول الجنة، فعندما أقول: اللهم ارزقني الجنة فأعظم ما في الجنة هي رؤية الله ﷿، فكأني أقول: يا رب! امنحني رؤيتك، لكن أن أقول: إن سألتك طمعًا في جنتك فاحرمني من جنتك، فكيف، والنبي ﷺ كثيرًا ما سأل الله الجنة واستعاذ به ﵎ من النار؟! فالإنسان مخلوق ليعمل ويبحث عن الأجر، فإذا علم أنه لا يؤجر فترت همته، والنبي ﵊ قال: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، فالإنسان عندما يغرس النخلة لن يأكل منها، وإنما ليأكل منها أولاده وأحفاده كما أكل هو من غرس أجداده، إذًا ما غرس الفسيلة إلا لهدف، فترغيبًا من النبي ﷺ في غرس هذه الفسيلة قال: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) وتقدير الكلام: فلا يقل: لمن أغرسها وقد قامت الساعة ولن ينتفع بها أحد؟! فحري أن يتركها ولا يغرسها، فكأنه قال له: خالف طبعك واغرسها مع أنك لن تجد من ورائها ثمرة دنيوية.
والرجل الذي جاء للنبي ﷺ وفي يده تمرات فقال: (مالي عند ربي إن قتلت في سبيله؟ فقال: لك الجنة، فقال: إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات، وألقى بها وقاتل حتى قتل) .
فسأله ما يكون لي؟ فقال له: أن تدخل الجنة، فقال: لا يحول بيني وبين الجنة إلا أن آكل هذا التمر، إذًا هي حياة طويلة، وهي ثانية أو ثانيتان، أو دقيقة أو دقيقتان، إذًا الحياة طويلة في هذه الدنيا، فرمى بالتمرات وقاتل حتى قتل.
فتخيل لو أن الجواب: ليس لك شيء، كان من الممكن أن يأخذ جراب تمر ثم يقعد ويأكل، وعلى ماذا سيستعجل؟! وطالما أن المسألة لا أجر فيها ولا حافز.
فلماذا لا ينعم بالحياة؟! كالرجل الذي جاء إلى عبد الله بن الزبير لما كان يتقاتل هو وعبد الملك بن مروان على الخلافة، فقال له: أنا بطل مغوار وفارس معروف، لكن كم تعطيني من الأجر؟ فقال: أعطيك كذا وكذا، قال له: إذًا هات! فقال له: هذا عندما تقاتل وتبلي بلاء حسنًا! فتولى عنه الرجل وقال: أراك تأخذ روحي نقدًا وتعطيني دراهمك نسيئة.
يعني تأخذ روحي مقدمًا بينما دراهمك تعطينيها مؤخرًا، فهو يريد أولًا أن ينعم بهذا المال قبل أن يموت، فلما علم أنه قد يقتل ولا يأخذ الأجر فترت همته وتولى.
ولهذا خلق الإنسان باحثًا عن الأجر، فإذا أردت أن ترغب إنسانًا ما في شيء ما فعليك أن ترغبه، وتبين له أجر عمله، لأن هذا أدعى لأن يقدم، ولذلك تجد القطاع الخاص ناجحًا، والقطاع العام فاسدًا، لماذا؟ لأن القطاع الخاص يربط الأجور بالإنتاج، بينما القطاع العام، لا.
فالموظف يذهب لينام ثم يأخذ العلاوة ويأخذ المرتب والحوافز، بينما القطاع الخاص يقول لك: القطعة بجنيه مثلًا، فيحث العامل على أن لا يجلس فارغًا، فيقول: لماذا أجلس ولا أعمل؟ وكلما عمل كسب، فنجح، والشركات التي تعطي أجورًا عالية عندها مبدعون، لأنها تعطيهم الأجر وزيادة، وهذا نوع من الحافز.
2 / 3