223

Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah

شرح لامية ابن تيمية

ژانرونه

الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال بعض السلف فاستواء الله على عرشه قد تكلم عليه العلماء، وبينوا أن الله مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ولكن المبتدعة شرقت نفوسهم بأن يثبتوه للرب ﷾، ولهذا فإنهم يقولون: كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان عليه، أي: لا يثبتون عرشًا، ولا يثبتون استواءً، ولا يثبتون علوًا للرب ﷾، ومن باب أولى ألا يثبتوا صفة النزول. وصفة الاستواء على العرش قد دل عليها الكتاب والسنة، فقد وردت في القرآن في سبعة مواضع، وفي أحاديث النبي ﷺ وردت مستفيضة، بل هي متواترة في إثبات الاستواء على العرش. ومن اللطائف: أن عبد الله بن رواحة ﵁ وأرضاه أتى جارية له، فنظرت إليه زوجته فغضبت أشد الغضب، فقالت لـ عبد الله بن رواحة: أتأتيها وعلى فراشي، فقال تورية: لم آتها، قالت: إذًا اقرأ قرآنًا، لأنها تعلم أن الجنب لا يقرأ قرآنًا. فألقى عليها أربعة أبيات من الشعر، من ضمنها: وفوق العرش رب العالمينا فقالت: كذبت عيناي وصدق الله، وأخبر النبي ﷺ بالخبر فتبسم ﷺ. بل إن الاستواء على العرش كما يقول بعض العلماء: إنه قد ثبت في شعر جاهلي، وهو مرتبط بإثبات العلو للرب ﷾، والأشاعرة قد استدلوا ببيت مصنوع وموضوع ولا حجة فيه، وهو قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق وهذا البيت احتجوا به على أن هذا وارد في اللغة، لكن هذا البيت من الشعر لا يحتج به؛ لأن الذين يستنبطون من اللغة العربية جعلوا زمانًا يحتج به، وما بعده لا يحتج بالأشعار التي وردت فيه، ومن هنا أخذوا: قد استوى بشر، أي: استولى بشر، ويفسرون الاستواء بالاستيلاء، وهذا الكلام باطل، ويلزم عليه محاذير كثيرة: فمن علامة بطلانه: أننا نجد النصوص في سبعة مواضع في القرآن كلها تبين استوى الله على العرش: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف:٥٤] ولم يرد نص واحد يدل على أنه بمعنى الاستيلاء، ثم أحاديث النبي ﷺ كلها ترد وتبين لنا أنه مستوٍ على عرشه. ثم يلزم على ذلك محذورًا باطلًا: فإن قضية الاستيلاء يلزم منها أن هناك مغالبة بين الرب وبين العرش، ثم إن الرب غلبه، وهل يوجد شيء من الكون بينه وبين الرب نزاع؟ لا، والله قد قال في كتابه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون:٩١] ولا نجد علوًا للكون بعضه على بعض أبدًا لا العرش ولا غيره، مما يدل على بطلان ما ذهب إليه الأشاعرة ومن نحا منحاهم في نفي صفة الاستواء على العرش. أما قضية العلو فهي من الصفات العظيمة للرب ﷾، بل هي من تمجيد الله وتعظيمه وإعطائه منزلته أن نثبت بأنه ﷾ فوق سماواته مستوٍ على عرشه، عالٍ على خلقه ﷾، والأدلة على إثبات العلو في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ وفي أشعار الصحابة ﵃، وفي العقل، والفطرة أكثر من أن تحصى، ولقد أبدع الإمام ابن القيم ﵀ في الصواعق إذ أنه جمع ووجد أن الأدلة كما قال: تزيد في النصوص الشرعية على ألف دليل في إثبات العلو، ومن الصعب عرضها، وتحتاج إلى مؤلفات في عرضها وذِكْر وجه الدلالة، لكنه ﵀ جمعها بمجاميع قال: كل نص يرد فيه التصريح بالعلو فإنه يدل على علو الله تعالى، وكل نص يدل على التصريح كذلك بالعروج إليه فإنه يدل على علوه، وكذلك التصريح بأن الله رفع بعض خلقه إليه يدل على علوه، والتصريح كذلك بالنزول يدل على علوه ﷾، والتصريح بالاستواء يدل على علوه، كذلك في قضية الإسراء والمعراج أخبر ﷾ أنه أسرى بعبده، وعرج بمحمد ﷺ إلى العلو، وكلم ربه ﷾ لما صعد، وكذلك أدلة الرؤية وغيرها، لسنا بصدد الحصر ولكن نمرها على عجل، هذه من أدلة الكتاب وسنة النبي ﷺ. وسأل النبي ﷺ جارية أراد أن تُعتق، فقال لها النبي ﷺ: (أين الله؟ فأشارت في السماء، قال النبي ﷺ: أعتقها فإنها مؤمنة) ولم يقل لها: قبحك الله كيف ترفعين بإصبعك إلى الرب، فأنتِ تجسمين وتشبهين، ولهذا إذا رفعت إصبعك فقلت: الله في العلو ضاقت على المبتدعة الأرض بما رحبت، ويقولون: إنكم تجعلون السماوات تحيط بالرب ﷾، وهذا من ضيق أفقهم وجهلهم بسنة محمد ﷺ، ونحن نقول: إن الله ﷾ في العلو بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة. ولقد كانت إحدى زوجات النبي ﷺ وهي زينب كما روى البخاري تفتخر على نساء الرسول ﷺ كلهن، وكانت تقول: (زوجكن أهليكن، وأنا زوجني الله من فوق سبع سماوات) وهنيئًا لها إذ تفتخر بهذا الفخر العظيم: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب:٣٧] فكانت كأنها تفتخر بأنها أنزلت في قضية زواجها نص من الله تعالى، ويبقى إلى قيام الساعة فخرًا لها. ولقد أثنى النبي ﷺ على سعد بن معاذ ﵁ لما حكم في بني قريظة: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ثناءً عليه بأنه أثبت الحكم الذي حكم الله فيه، وأثبت الرسول ﷺ أن ربه فوق سبع سماوات. وروي أن عمر ﵁ وأرضاه كما في سنن الدارمي وغيره، والحديث يظهر أنه ليس بثابت، لأن في سنده انقطاعًا: وقف عمر مع امرأة عجوز في الطريق، ولما وقف معها قيل لـ عمر وكان قد سد الطريق: كيف أغلقت الطريق من أجل هذه العجوز؟! فقال: [ويحكم! أتدرون من هذه؟ إن هذه قد سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات] وهي خولة: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة:١] فأثبت أن الله ﷾ فوق سماواته عالٍ على خلقه، هذه أدلة الكتاب والسنة.

14 / 3