224

Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah

شرح لامية ابن تيمية

ژانرونه

دليل الفطرة أما دليل الفطرة فقد دل على ذلك أنه ما من مؤمن أو عارف يعرف بأن له ربًا، يقول: يا ألله! إلا وجد قلبه يتوجه إلى العلو. وأنت إذ تتساءل الآن في ذات نفسك وتقول: قد ربيت عليه وأنا صغير، لكن إخوانك الصغار تشاهدهم ما أحد يعلمهم فيقول لهم: إنك إذا دعوت الله تعالى فواجب عليك أن ترفع بقلبك إلى العلو، وهذا نسميه رصيد الفطرة. ونُقل أن البهائم إذا أصابتها الشدائد في حال تعسر ولادتها، فإنها وهي مضطجعة، تسلم أمرها لله، وترفع رأسها إلى السماء؛ لأنها تعلم أن ربها هناك، فترجو منه أن يكشف كربها وما أصابها. فسبحان الله! كان أبو المعالي الجويني على المنبر يحدث أتباعه، وكان من كبار الأشاعرة، وكان يقول لهم: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان، أي: ليس هناك عرش وليس هناك استواء ولا غيره، فكان الهمداني في مجلسه، فقال له: يا شيخ! دعنا من قضية الاستواء على العرش ومن آية: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] قال: إننا لا نجد عارفًا يقول: يا ألله إلا وجد في قلبه اضطرارًا إلى العلو فبماذا نفسر هذا؟ أنت تريد أن تنفي لنا النصوص الشرعية، لكن كيف ننفي الفطر التي توجد في قلوبنا، ماذا نعمل بها؟ قال: فنزل الجويني وهو يضرب على رأسه يقول: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني، وقيل: إنه كان يبكي ولم يستطع أن يقول شيئًا؛ لأنه إذا جاءته النصوص يستطيع أن يأولها، لكن فطر الناس لا يمكن أبدًا؛ لأنها تثبت بأن الله ﷾ في العلو. ويأتي الدليل العقلي على إثبات علو الله تعالى، وهو مركب من مقدمات كثيرة، وقد بسط هذا الدليل العقلي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بطوله في الفتاوى وفي غيره، وفي الرد كذلك على الرافضة القدرية، وكان يبنى على مقدمات أعرضها سريعًا، فيقولون: ليس في الكون إطلاقًا إلا خالق ومخلوق، فقالوا: إما أن يكون الله خلق الخلق داخل ذاته أو خارج ذاته، أو أنه لا داخل ذاته ولا خارج ذاته، أصبحت عن طريق السبر والتقسيم ثلاثة أقسام: ١- إما أن يكون خلق الله الخلق داخل ذاته. ٢- أو يكون الخلق خارج ذاته. ٣- أو يكون الخلق لا داخل الذات ولا خارج الذات. إذًا القول بأن الخلق في داخل ذات الرب ﷾ باطل باتفاق العقلاء، والسبب هل نحن نشعر بأننا داخل ذات الرب؟ لا. ثم بطلانه بأنه يلزم أن يكون الله محلًا للقاذورات والخسائس، وهذا الخلق فيه ما هو طيب وفيه ما هو خبيث، فهل يمكن أن يكون الخبيث في داخل الرب؟ حاشا وكلا، إذًا تعين أنه بطل أن يكون الخلق داخل ذات الرب، ولا يقول بهذه المقالة إلا الصوفية الغلاة، أهل وحدة الوجود، وأهل الحلول والاتحاد، الذي يقول قائلهم قبحه الله: ليس في الجبة إلا الله وينفض جبته، ولا شك أن هذا هو الكفر بل هو الإلحاد. ننتقل إلى القسمة الثانية: أن يكون الكون لا داخل ذات الرب ولا خارجه، وهذا نفي لوجوده بالكلية، فالشيء الذي لا يكون موجودًا ولا داخلًا ولا خارجًا يؤدي إلى نفي وجود الله تعالى، وهذا أمر باطل بالاتفاق، ولهذا نجد العجيب أن بعض طوائف المبتدعة يقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، وهذا الكلام باطل، يؤدي إلى نفي وجود الله تعالى. بقي عندنا أن يكون الرب خارج هذا الكون، فتعينت المفاصلة والمباينة، وتعين المفاصلة والمباينة يقتضي أن ننتقل إلى مقدمات أخرى وهي أن نقول: إن السفول صفة نقص، والعلو صفة كمال، والله موصوف بالكمال، إذًا الله في العلو ﷾. ولهذا إذا وجد شيء عزيز عليك فإنك ترفعه فوق رأسك؛ نظرًا لأن العلو باتفاق العقلاء كمال، ولا يمكن أبدًا أن يكون نقصًا، بخلاف السفول فإنه نقص، ولهذا تجدون الأطفال الصغار يرفع فمه إلى السماء ويقبل، ويبصق على الأرض لاعتقاده أن الشيطان في السفول، ويعترف بأن الله في العلو، وهذا دليل على مسألة فطرية ومسألة دلالة العقل على إثبات علو الله تعالى.

14 / 4