ابتدأ طلب العلم في وطنه ثم انتقل إلى مدينة صعدة فقرأ على شيوخها الذين من أحسنهم ذكاء وأجمعهم لفنون العلم القاضي العلامة النحرير بحر العلم الغزير جمال الملة والدين علي بن موسى الدواري، أخذ عنه أكثر الفنون، وصنف فيها ولم يتم له من العمر عشرون، ثم ارتحل إلى حرض، لسماع الحديث الذي ذهب وانقرض، على حي الفقيه المحدث شيخ السنة النبوية في وقته يحيى بن أبي بكر العامري، فسمع عليه سنن أبي داود وغيرها واستجاز منه أكثر مسموعاته، وكان من هذا الفقيه له عليه السلام من الرعاية التامة والإنصافات العامة مالا يحد ولا يحصى بعد، فلما قفل من سفره بعد قضاء وطره لم يزل يترقى في العلوم حتى أحاط بمنطوقها والمفهوم، وميز بثاقب أفكاره الشريفة المجهول منها والمعلوم، قال بعض أولاده الفضلاء: لقد رأيت في الثالث من مفتاح السكاكي بخط يده المباركه فرغ من سماعه وسماع كتاب الكشاف في نيف وخمسين يوما قراءة محققة، وكان إحرازه للعلوم في مقدار عشر سنين، ?إن هذا لهو الفضل المبين?[النمل:16].
قال الزحيف رحمه الله: ولما قضى عليه السلام من طلب العلم حاجته تفرغ للدرس والتدريس في وطنه، وصار رحلة للقاصدين، ومنتجعا للوافدين، يؤمه طلبة العلم من أكثر الأمصار والبوادي والحضار، وتوجهت إليه المسائل والرسائل من كل جهة، ورمقته الأعين، ونطقت بفضله الألسن، وحظي من الإقبال عليه بما لم يحظ به غيره وكثرت أرزاقه ونذوره، وازدادت به رياسة عشيرته، وأشرق منهم نوره، حتى أني اطلعت على رسالة له أنه يدخل عليه في اليوم الواحد من النذور ما قيمته مائة أوقية فضة خالصة، وكان ينفق أكثرها مع بيوت الأموال.
مخ ۲۴