Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
ژانرونه
من سمات السلف قراءة الألفاظ وتدبر المعاني
هكذا كان السلف ﵏ في قراءتهم للقرآن، وإقبالهم عليه، وحرصهم على تلاوته، ولكن هذه التلاوة لم تكن مجرد قراءة للألفاظ، فإن الله ﷾ أثنى على الذين يتلون الكتاب ثناء حسنًا، ولكنه أيضًا ذم قومًا يقرءون الكتاب لكنهم لا يفقهون ما تضمنه الكتاب من التوجيه، فقال الله جل وعلا في وصف طائفة من بني إسرائيل: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة:٧٨] يعني: إلا قراءة، فليس عندهم من معرفة كتاب الله من نصيبٍ، ولا من الكتاب إلا مجرد التلاوة، فليس عندهم فقه ولا معرفة ولا فهم للمعنى ولا تدبر؛ ولذلك حث الله جل وعلا في كتابه على النظر في الآيات، ومن جملة تلك الآيات التي تضمنها الكتاب الحكيم قوله جل وعلا: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص:٢٩]، فهذا الكتاب أنزله الله جل وعلا ووصفه بأنه مبارك، ثم بين الطريق الذي تحصل به بركة هذا الكتاب، والطريق الذي تنال به خيرات هذا الكتاب فقال ﷾: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص:٢٩] أي: ليحصل لهم التدبر، ولا سبيل لتحصيل بركة الكتاب إلا بهذا.
وقد أمر الله جل وعلا رسوله ﷺ في أول البعثة بقيام الليل، فقال الله جل وعلا لرسوله ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل:١ - ٤] أي: رتله في قراءته ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل:٤ - ٥] وهو القرآن، فالقرآن قول ثقيل يحتاج إلى تهيئة ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل:٥ - ٦]، أمره بقيام الليل وعلل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾ [المزمل:٦] يعني: يتفق فيها قول اللسان مع تدبر القلب ونظره وتأمله وتفكره، وناشئة الليل قيل في تفسيرها: أوقات الليل، وقيل: عمل الليل، وكلا القولين يؤيد ما استشهدنا به من أن النبي ﷺ أمره الله ﷿ بما أمره، ووجهه إلى أن يكون ذلك في الليل قيامًا؛ لكونه أدعى لمواطأة القلب للسان بالتدبر، وقد امتثل رسول الله ﷺ توجيه الله جل وعلا وأمره، ففي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان ﵁ قال: (صليت مع رسول الله ﷺ ليلةً فقرأ: البقرة وآل عمران والنساء في ركعة!) كل هذا في ركعة في ليلة، وما هي صفة هذه القراءة؟ هل هي قراءة الهذ والنثر التي لا يعقل معها معنى، ولا يعرف معها مقصود؟! لا والله، يقول حذيفة ﵁ في وصف قراءته ﷺ: (وكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح، أو سؤال سأل، أو تعوذ تعوذ) هكذا كانت قراءة رسول الله ﷺ: قراءة تدبر ونظر وتفكر، ليست قراءة هذٍ كما قال ابن مسعود ﵁ في وصف القراءة التي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، قال: (لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب).
هذا القرآن فيه من العجائب والأسرار ما لا ينفتح للذي يقرؤه قراءةً لا تدبر فيها ولا نظر، فإن الله جل وعلا يمنع من امتهن القرآن ولم يعطه حقه من أن يقف على أسراره وعجائبه.
2 / 13