ولا يوصف تعالى بأنه يفهم الأشياء كما يوصف بأنه يعلمها؛ لأن الفهم هو العلم بمعنى الكلام الذي يسمعه حتى يكون إذا سمعه لم يخف عليك معناه. وكذلك الفقه إنما هو أن نفقه الكلام، ولهذا الأمر لا يوصف بالفهم إلا الكلام وحده، وكذلك لا يوصف بالفقه إلا الكلام كما قال سبحانه وتعالى: {وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} (¬1) ، فلما كان الله تعالى لم يزل عالما بالأشياء كلها وبمعانيها لم يجز أن يوصف بأنه يعرف معنى الكلام إذا سمعه كما نوصف نحن بذلك، ولا أنه يفهمه، ولا أنه يفقه، ولا أنه فهم، ولا بأنه فقيه.
ولا يوصف تعالى بأنه يشم ويذوق؛ لأن الشم هو استنشاق الجسم المشموم ودخوله في الخياشيم، ومماسة الخياشيم له. والذوق هو مماسة الجسم المذوق اللسان واللهوات، فلما لم يجز على الله تعالى مماسة الأجسام ولا مداخلتها إياه لم يجز عليه الشم والذوق.
ولا يوصف تعالى بأنه صبور كما يوصف بأنه حليم؛ لأن الصبور هو الذي يصبر على ما يؤلمه ويغمه، وهذا معناه عندنا في الشاهد؛ ولهذا كان ثواب الصبر عندنا من أعظم الثواب؛ لأنه احتمال المكاره والصبر عليها، فلما /27/ كان سبحانه وتعالى لا يحتاج في أفعاله إلى احتيال تتم به أفعاله ومراده لم يجز أن يوصف عز وجل بالرفق ولا بالترفق، وجاز أن يوصف العباد بذلك لحاجتهم في أفعالهم إلى الاحتيال لها والسبب إليها.
ولا يوصف بأنه تعالى فاضل، ولكنه مفضل بما يفعل من الفضل على غيره، ولا يجوز أن يفضل هو بذلك؛ لأنه مستغن عن الأفعال أن يفضل بها.
مخ ۴۹