وقالوا أمدح بيت قاله محدث قول علي بن جبلة المعروف بالعكوك في أبي دلف:
(إنما الدنيا أبو دُلفٍ ... بين مبداه ومحتضَرِهْ)
(فإذا ولّى أبو دلفٍ ... ولَّت الدنيا على أثرِه)
قال بعض من حضر: لا يجوز أن يكون مثل هذا الشعر لهذا، وإنما ازدراه لدمامته وعمشه فقال له أبو دلف أما تسمع ما يقول الناس فيك إن الشعر لغيرك لأن ألفاظه ألفاظ كاتب متأدب قال الإمتحان يزيل الظنة عني وما ظلم من استبرأ فكيف رأى الأمير في الامتحان قال نعطيك صدورًا لتردفها بأعجاز قال ما اشتططت ولا كلفت إلا الذي من نكب عنه حق عليه القول فدعا أبو دلف بدواة وقرطاس وكتب:
(ريعتْ لمنشورٍ على مفرقهِ ... ذمَّ له عهدَ الصبا حين انتسب)
(اهدام شيب جُدد في رأسهِ ... مكروهة الجدة انضاء العقب ...) ثم ناوله الدرج فقال كم لي في ذلك من الأجل قال شهر قال فانطلق بهما إلى رحلي قال ليس الامتحان للشاعر في بيته بمزيل للظنة عنه ولكن تبوأ حجرة من القصر قال فليأمر الأمير بها ففعل وركب إلى دار المأمون فأبطأت كرته فلما رجع دخل عليه علي والدرج بيده قال قد أجزت البيتين بقصيدة قال لقد خشيت عليك النقص من الإعجال قال إليك تساق الرفاق ثم أنشدني بيتي أبي دلف ثم قال:
(أشرقنَ في أسودَ ازرينَ به ... كان دُجاه لهوى البيضِ سَببْ ...)
(فاعتضن أيام الغواني والصبا ... عن ميِّتٍ مطلبه فن الأدبْ)
(فنازلٌ لم يُبتهج نزوله ... وراحل أبقى جوىً حين ذهب)
(لم أرَ كالشيب وَقارًا يُحتوىَ ... وكالشباب الغضِّ ظلًا يُستلب)
(كان الشبابُ لمّةً أزهى بها ... وصاحبًا حرًا عزيز المصطحب)
(إذ أنا أجري واثبًا في غيّه ... لا أعتب الدهرَ إذا الدهرُ عتبْ)
1 / 50