دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرونه
يتساءل بودن في الفصل الثاني من الكتاب الرابع من الجمهورية: «هل من سبيل إلى التنبؤ بمستقبل الدول؟» ويجيب على هذا السؤال بملاحظات شتى تستند كلها إلى أحكام النجامة.
يقول بودن في هذا الفصل: «يظن بعضهم أن الاعتقاد بتأثير حركات النجوم على الأحوال البشرية مما يقلل من عظمة الله، غير أن هذا الظن خطأ محض؛ لأن قدرة الله حينما تعمل أمورا هامة على يد مخلوقاتها تتجلى بوضوح أعظم مما لو عملتها بنفسها وبلا واسطة.» ويضيف إلى ذلك هذا الحكم البتار: «لا يوجد شخص ذو عقل سليم لا يعترف بتأثير الأجرام السماوية في الحوادث الطبيعية والبشرية.»
كما أنه يقول في مكان آخر من الفصل المذكور: «إن أحوال الدول مثل سائر أحوال البشر، تتبع الحركات السماوية بعد مشيئة الله.»
ثم يأتي بودن بأمثلة عديدة وتفاصيل كثيرة عن تأثير الأجرام السماوية على سير الحوادث التاريخية، إنه يستعرض عددا كبيرا من الوقائع التاريخية التي حدثت في أقطار وأعصار مختلفة، ويحاول تفسيرها وتعليلها بحركات النجوم وقراناتها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، فجميع تلك الحادثات التاريخية - من ثورة إسكندر بك الألباني إلى ولادة الإمبراطور شارلكان، ومن استيلاء صلاح الدين الأيوبي على القدس إلى ثورة الفلامنديين على الإسبان، ومن خراب مدينة هركولانوم إلى استيلاء العثمانيين على جزيرة رودس - كلها ذات علاقة وثيقة في نظر بودن بحركات النجوم وقراناتها!
يعزو بودن خاصية عجيبة إلى شهر أيلول؛ يلاحظ أن عدة حوادث هامة حدثت في شهر أيلول، مثل محاصرة ملك فرنسا شارل التاسع، وحبس ملك السويد هنري. كما أن عدة وقائع حربية حدثت في الشهر نفسه؛ منها انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في القدس، وانتصار السلطان بايزيد العثماني على أعدائه في نيكبولي. ثم إن عدة ملوك ماتوا في شهر أيلول؛ منهم أوغسطس، وليون الرابع، وفريدريك الثالث، وببين القصير. كما أن ولادة بعض الملوك ووفاتهم أيضا حدثت في شهر أيلول؛ من هؤلاء شارلكان، وسليمان القانوني. فهل من مجال للشك في «أن أسباب كل ذلك تعود إلى أوضاع النجوم خلال الشهر المذكور؟»
وأما ظهور الإسلام فهو أيضا من الوقائع التاريخية المربوطة بالحركات السماوية على رأي بودن؛ لقد حدث سنة 630 بعد الميلاد «قران عظيم» في السماء، «اقترنت السيارات العلوية مع الشمس في برج العقرب»، عندئذ «نشر العرب دين محمد، وثاروا (هذا هو التعبير الذي يستعمله بودن) ثاروا ضد أباطرة القسطنطينية، وغيروا الدول واللغات والأخلاق والدين في آسيا الشرقية.» لا يشك بودن بأن هذه الحوادث العظيمة ذات علاقة وثيقة بالقران العظيم السالف الذكر.
وأما آخر القرانات السماوية التي يذكرها بودن، فهو الذي حدث سنة 1562؛ إن هذا «القران العظيم» أدى إلى حدوث حوادث عجيبة جدا في مختلف أنحاء العالم؛ ملك فرنسا فوجئ بثورة مسلحة، ملك السويد خلع من العرش وألقي في السجن، ملكة اسكتلندا سجنت وحوكمت، ملك تونس طرد من بلاده، مغاربة الأندلس من جهة وأهل الفلامند من جهة أخرى ثاروا على الملك الكاثوليكي، كما أن الإنجليز ثاروا على ملكهم، والفرنسيون قاموا على حكومتهم.» إن بودن يرى علاقة صريحة بين جميع هذه الحوادث التاريخية وبين «اقتران السيارات العلوية بالشمس وعطارد» في السنة المذكورة.
ولا يكتفي بودن بالقول - على هذه الصورة - بوجود علاقات قوية بين الحوادث التاريخية وبين حركات الأجرام السماوية فحسب، بل يحاول أن يبرهن على علاقة السماء بطبائع الأمم أيضا؛ إنه يبحث في الكتاب الخامس من المؤلف الذي نحن بصدده عن طبائع الأمم، ويتطرق إلى قضية اختلاف الطبائع باختلاف الأقاليم، ولكنه يرجع تأثيرات الأقاليم إلى خواص النجوم، ويبدي حول ذلك نظرية غريبة جدا.
تنقسم الأرض - في نظر بودن - إلى ثلاث مناطق؛ جنوبية، ووسطى، وشمالية، ومن تتبع الكواكب السيارة وجد أن زحل يعود إلى المنطقة الجنوبية، والمشتري يختص بالمنطقة الوسطى، والمريخ يعود إلى المنطقة الشمالية، وأما الشمس فلا تختص بمنطقة من هذه المناطق، بل تنيرها كلها على حد سواء، وأما السيارات التي تأتي بعد ذلك فتختص كل واحدة منها بإحدى هذه المناطق الثلاث؛ الزهرة بالمنطقة الجنوبية، العطارد بالمنطقة الوسطى، والقمر بالمنطقة الشمالية.
ولهذا السبب نجد أن الأمم التي تقطن كل واحدة من المناطق المذكورة آنفا تتأثر بطبيعة الكواكب السيارة التي تختص بتلك المنطقة؛ فإن الأمم الشمالية تصبح ميالة إلى الحرب والقنص بتأثير المريخ والقمر، والأمم الجنوبية تكون مسترسلة في التأملات، ومستسلمة للشهوات بتأثير زحل والزهرة، وأما الأمم التي تقطن المنطقة الوسطى فتمتاز بالإرادة والسياسة بتأثير العطارد والمشتري.
ناپیژندل شوی مخ