دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرونه
إن تأثير الحرارة والبرودة في الشجاعة لا يظهر عند مقارنة الممالك الشمالية بالجنوبية فحسب، بل إنه يظهر عند مقارنة المناطق الشمالية بالجنوبية في المملكة الواحدة أيضا.
وهذه الحقيقة يجب أن توضع نصب الأعين عند اختيار العاصمة في السلطنات الكبيرة، يجب أن تكون العاصمة في القسم الشمالي من المملكة؛ لأن الدولة التي تجعل عاصمتها في الجنوب تتعرض إلى خسارة مناطقها الشمالية، وأما الدولة التي تجعل عاصمتها في الشمال فتستطيع أن تسيطر على أقسامها الجنوبية بسهولة؛ وذلك بسبب شجاعة الشماليين وجبن الجنوبيين. (2)
إن آراء مونتسكيو في طبائع الشماليين والجنوبيين يجره إلى نظرية مماثلة عن طبائع الأوروبيين والآسيويين؛ لأنه يقول:
في آسيا لا توجد منطقة معتدلة الحرارة، فالبلاد الحارة هناك تتصل بالبلاد الباردة اتصالا مباشرا؛ ولذلك تكون الأمم القوية مجاورة للأمم الضعيفة مجاورة مباشرة، وتستطيع أن تسيطر عليها سيطرة قاصمة؛ وذلك يجعل الأولين سادة والأخيرين عبيدا.
وأما في أوروبا فالأمر يختلف عن ذلك اختلافا كليا؛ لأنه يوجد في القارة الأوروبية منطقة معتدلة الحرارة واسعة النطاق، فتكون الحرارة في هذه القارة متدرجة من الشمال إلى الجنوب، وكذلك قوة الأمم وشجاعتها، فلا تشاهد فروق عظيمة بين الأمم المتجاورة من حيث الشجاعة؛ فتتعادل القوى، فلا تستطيع الواحدة منها أن تسيطر على جارتها سيطرة تامة.
هذا هو السبب الأصلي - في نظر مونتسكيو - في قوة أوروبا وضعف آسيا، وفي حرية أوروبا وعبودية آسيا. إن روح الاستبداد من ناحية، وشيمة العبودية من ناحية أخرى قد تأسست ورسخت في آسيا، ولم تفارقها أبدا في دور من أدوار تاريخها الطويل. والباحث المدقق لا يلمح في جميع الأمم الآسيوية «علامة واحدة» تدل على روح حرة، و«لا يمكن أن يشاهد في آسيا في المستقبل أيضا بطولة غير بطولة العبودية.»
مونتسكيو يدعي ذلك بصيغة الجزم والتأكيد، كما أنه يجيب بذلك على سؤال يحوم حول تاريخ فتوحات الرومان؛ لماذا لم يتوسع الرومان في أوروبا إلا بمشقات عظيمة، في حين أنهم استطاعوا أن يفتحوا آسيا بسهولة خارقة؟
وفضلا عن ذلك يحاول مونتسكيو أن يقرر ويعلل خصائص الشرق والغرب أيضا على هذا الأساس.
بما أن الشمال يتفوق على الجنوب، وأوروبا تتفوق على آسيا، فإن سكان شمال أوروبا - الذين يجمعون في أنفسهم مزايا الشمال مع مزايا أوروبا - يتفوقون على جميع أمم الأرض تفوقا عظيما.
إن المنطقة الشمالية من القارة الأوروبية هي مصدر الحرية المنتشرة في أوروبا، بل مصدر الحرية الموجودة في العالم. كان «جورناندس» القوطي قال عن شمال أوروبا إنه «معمل الجنس البشري»، ولكن مونتسكيو يفضل تسمية تلك المنطقة ب «مصنع الآلات التي تكسر الأغلال المصنوعة في الجنوب»؛ لأنه يعتقد بأن «هناك تتكون الأمم الباسلة التي تخرج من بلادها لسحق الظالمين والعبيد.»
ناپیژندل شوی مخ