دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرونه
غير أن الحرارة تؤثر في حساسية الإنسان تأثيرا معكوسا لذلك، فإن الحساسية - بعكس القوة - تصل إلى أقصى درجاتها في البلاد الحارة، وتهبط إلى أحط درجاتها في البلاد الباردة. من المعلوم «أن الأقاليم يتميز بعضها عن بعض باختلاف «درجات العرض الجغرافي»». ونستطيع أن نقول إنها تتميز كذلك باختلاف «درجة حساسية الإنسان»؛ فإن حساسية الإنسان للذة تكون ضعيفة في البلاد الباردة، وأقوى من ذلك في البلاد المعتدلة، وتصل إلى درجة الإفراط في البلاد الحارة. وكذلك الحال في الحساسية للألم، مثلا «إن الموسقوفي لا يحس شيئا من الألم إلا إذا سلخ جلده.» (ه)
إن الشهوة الجنسية تتبع الحساسية العامة في هذا الصدد، فإنها تكون مفرطة في البلاد الحارة، وضئيلة في البلاد الباردة.
في البلاد الشمالية تكون ماديات العشق «في منتهى الضعف»، وقوتها الضئيلة «تكاد تكفي لجعلها محسوسة»، وأما في البلاد الحارة فهي تتغلب على كل شيء.
إن الفيزيقوط عندما هاجروا من جرمانيا إلى الجنوب فانتقلوا إلى إسبانيا؛ أصبحوا أكثر شهوانية من ذي قبل، وشدة الشهوة التي اكتسبوها بهذه الصورة قوت في نفوسهم «حس الغيرة»، كما ظهر ذلك بكل وضوح في سلوك «الكونت جوليانوس الذي ضحى ببلاده من جراء واقعة تتعلق بعرض ابنته.»
في البلاد الشمالية تجد «ماكينة البدن» ملذات كثيرة في كل ما يحرك النفس - من صيد وسباحة وحرب وخمر - وأما في البلاد الحارة فتكاد تنحصر ملذات الحياة في العلاقات الجنسية. (و)
في البلاد الحارة ينفق البدن مقدارا كبيرا من الماء، فلا يحتاج إلى شيء من الخمور والكحوليات، وأما في البلاد الباردة فبعكس ذلك تقل الحاجة إلى الماء، فتزداد الحاجة إلى الخمور والكحوليات.
ولهذا السبب نجد أن إدمان الخمور يزداد مع ارتفاع درجة العرض الجغرافي، كلما تباعدنا من خط الاستواء نحو القطب. (ز)
إن الإقليم يؤثر في الأخلاق العامة أيضا تأثيرا شديدا؛ فإن سكنة البلاد الباردة يمتازون بكثرة الفضائل وقلة المفاسد، وقوة الصراحة، وقلة الأنانية. فإننا كلما تباعدنا من الشمال إلى الجنوب نكون كأننا تباعدنا عن الأخلاق، فشاهدنا أمما ينقص فيهم روح التشوف والإقدام والكرم، ويزداد فيهم الكسل والأنانية، وتتفشى بينهم المفاسد والجرائم. (ح)
ولذلك كله نجد أن أمم الشمال تتغلب دائما على أمم الجنوب، كما نجد أن الحرية والديمقراطية لا تتأسس إلا عند أمم الشمال، وأما أمم الجنوب فيتصفون بالعبودية والاستسلام بوجه عام، كما أن دولها لا تعرف معنى للحرية والديمقراطية، بل تكون مستبدة وظالمة في كل الأحوال. (ط)
إن عادة حجب النساء وحجزهن أيضا من التقاليد التي تتأسس في البلاد الجنوبية وحدها؛ لأن شدة الشهوة في تلك البلاد تستلزم اتخاذ تدابير شديدة لكبح جماحها، وأما في البلاد الباردة فلا فتكون ثمة حاجة لمثل هذه التدابير؛ لأن الخصال هناك تكون حميدة بوجه عام، كما أن شهوات النفس تكون معتدلة وهادئة في حد ذاتها؛ ولذلك شيء قليل من الانضباط يكفي لتنظيم الحياة الجنسية والمحافظة على العفاف؛ ولهذا السبب نجد أن المرأة في البلاد الباردة «تؤنس الجميع وترفه عن الجميع، على الرغم من أنها تخص نفسها لملذات شخص واحد.» (ي)
ناپیژندل شوی مخ