دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرونه
ومن الواضح أنه يشير هنا أيضا إلى البدو، ولا يقصد قط أهل الأمصار. إن هذا المعنى يتجلى بوضوح أعظم من ذلك من الفقرات التي تلي العبارة المذكورة: «والعجم من أهل المشرق، وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي، أقوم عليها (أي على الصنائع)؛ لأنهم أعرق في العمران الحضري، وأبعد عن البدو وعمرانه. حتى إن الإبل التي أعانت العرب على التوحش في القفر والإعراق في البدو مفقودة لديهم بالجملة. وعجم المغرب من البربر مثل العرب في ذلك؛ لرسوخهم في البداوة منذ أحقاب من السنين» (ص404).
إن هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ابن خلدون عنى بكلمة العرب في هذا الفصل أيضا الأعراب البداة الذين يعيشون في القفار مستعينين بالإبل، ولم يقصد «العرب» بالمعنى الذي نفهمه من هذه الكلمة في الحالة الحاضرة. (ج)
ومما يزيد الأمر وضوحا وقطعية أن ابن خلدون يعود إلى القضية في بحث العلوم أيضا، إذ يقول - بعد أن يشبه العلوم بالصنائع: «وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر، وأن العرب أبعد الناس عنها، وصارت العلوم لذلك حضرية، وبعد العرب عنها وعن سوقها» (ص544).
يلاحظ أن ابن خلدون يذكر هنا كلمة العرب مرتين مقابلا لكلمة الحضر بشكل لا يترك مجالا للشك في أنه يقصد البدو على وجه التخصيص، ويخرج من نطاق شمولها الحضر على الإطلاق. (4)
إننا نجد دلائل وقرائن مماثلة لما ذكرناه آنفا في كثير من الفصول التي لا تتكلم عن العرب مباشرة أيضا: (أ)
مثلا نقرأ في بحث «الفساطيط والسياج» العبارات التالية: «كان العرب لعهد الخلفاء الأولين من بني أمية إنما يسكنون بيوتهم التي كانت لهم خياما من الوبر والصوف، ولم تزل العرب لذلك العهد بادين إلا الأقل منهم، فكانت أسفارهم لغزواتهم بظعونهم وسائر حللهم وأحيائهم من الأهل والولد كما هو شأن العرب لهذا العهد.» «وكانت عساكرهم لذلك كثير الحلل، بعيدة ما بين المنازل، متفرقة الأحياء، يغيب كل واحد منها عن نظر صاحبه من الأخرى، كشأن العرب» (ص267).
من الواضح الجلي أن ابن خلدون عنى بالعرب - في عبارة «كما هو شأن العرب لهذا العهد»، و«كشأن العرب» - البدو وحدهم، ولا سيما أنه حصر مفهوم «العرب لعهده» بمن كان لا يزال بدويا. (ب)
هذا وإذا تصفحنا الفصول الباحثة في اللغة والشعر؛ وجدنا فيها أيضا أمثلة صريحة، وأدلة حاسمة لما قدمناه آنفا.
لنقرأ أولا الفصل المعنون بعنوان «أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد» (ص582).
نجد أن ابن خلدون يميز العرب من أهل الأمصار في عنوان الفصل نفسه، وإذا واصلنا قراءة الفصل وجدنا في مضامينه أيضا ما يؤيد دلالة العنوان: «كذلك الحضر أهل الأمصار ، نشأت فيهم لغة أخرى، خالفت لسان مضر في الإعراب، وأكثر الأوضاع والتصاريف، وخالفت أيضا لغة الجيل من العرب لهذا العهد» (ص572).
ناپیژندل شوی مخ