123

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

ژانرونه

ولننتقل إلى الفصل الذي يقول فيه ابن خلدون: «إن جيل العرب في الخلقة طبيعي.» إن عنوان الفصل وحده يدعو إلى التأمل لتعيين المعنى المقصود من كلمة العرب فيه، وإذا قرأنا الفصل المذكور؛ وجدنا أولا بعض التفاصيل عن وسائل المعيشة، وعن تأثير هذه الوسائل في الحياة الاجتماعية، ثم وصلنا إلى العبارات التالية: «وأما من كان معاشهم من الإبل، فهم أكثر ظعنا وأبعد في القفر مجالا، فكانوا لذلك أشد الناس توحشا، وينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش غير المقدور عليه والمفترس من الحيوان العجم. وهؤلاء هم العرب، وفي معناهم ظعون البربر وزناتة بالمغرب، والأكراد والتركمان والترك بالمشرق، إلا أن العرب أبعد نجعة وأشد بداوة؛ لأنهم مختصون بالقيام على الإبل فقط» (ص121).

يفهم من هذه العبارات - ولا سيما من العبارة الأخيرة - بصراحة ما بعدها صراحة أن ابن خلدون استعمل كلمة العرب في هذا الفصل أيضا بمعنى أعراب البادية الذين يعيشون خارج المدن، ويرحلون من محل إلى محل وفقا لحاجات الإبل التي يقوم معاشهم عليها.

ومما يجدر بالملاحظة أن الفصلين المذكورين من أقسام الباب الثاني، ومن المعلوم أن الباب المذكور يبحث في «العمران البدوي»، ويترك الكلام عن الدول إلى الباب الثالث، وعن الأمصار إلى الباب الرابع. (ج)

وأما الفصول التي يقول فيها ابن خلدون: «إن العرب لا يستولون إلا على البسائط» (ص149)، و«إن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك» (ص151)، و«إن العرب لا يحصل لهم ملك إلا بصبغة دينية» (ص151)؛ فكلها من أقسام الباب الثاني، الباب الباحث «في العمران البدوي»، وفي كل واحد من هذه الفصول قرائن قاطعة كثيرة على استعمال كلمة العرب بمعنى «البدو»، علاوة على دلالة عنوان الباب المذكور. (3)

إن ابن خلدون لم يستعمل كلمة العرب بمعنى البدو في فصول الباب الأول التي ذكرتها فحسب، بل استعملها على نفس المنوال في فصول الأبواب الأخرى أيضا، إني أذكر فيما يلي بعض النماذج الواضحة، والدلائل القاطعة على هذا الاستعمال: (أ)

يوجد في الباب الرابع أيضا فصل خاص بالعرب، هو الفصل الذي يقرر «أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا في الأقل.»

يبدأ ابن خلدون هذا الفصل بالعبارة التالية: «والسبب في ذلك شأن البداوة»، ثم يقول في سياق الكلام: «والعرب، إنما يراعون مراعي إبلهم خاصة، ولا يبالون بالماء طاب أو خبث، قل أو كثر، ولا يسألون عن زكاء المزارع والمنابت والأهوية لانتقالهم في الأرض، ونقلهم الحبوب من البلد البعيد. وأما الرياح فالقفر مختلف للمهاب كلها، والظعن كفيل بطيبها؛ لأن الرياح إنما تخبث مع القرار والسكنى وكثرة الفضلات» (ص359).

يظهر من ذلك بكل وضوح أن العرب المقصودين في هذا الفصل هم البدو الذين يعيشون في القفار، ولا يسكنون ويستقرون في محل، بل يظعنون من مكان إلى آخر، ويفكرون في مراعي إبلهم قبل كل شيء. ولا يوجد في هذا الفصل كلمة واحدة تنطبق على أهل الأمصار. (ب)

هذا ويوجد في الباب الخامس أيضا فصل خاص بالعرب، هو الفصل الذي يقول فيه ابن خلدون: «إن العرب أبعد الناس عن الصنائع» (ص404).

يبدأ المؤلف الكلام عن ذلك بالعبارة التالية: «والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو، وأبعد عن العمران الحضري، وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها» (ص404).

ناپیژندل شوی مخ