ب - إذا لم يَقْنَع أحدُ الجانبين بحجَّة الآخر وجهتِهِ، فلا يكون ذلك داعيًا إلى التغليظ والإنكار والفرقة.
ج - إذا كان عدم الاقتناع مبنيًا على غيرِ حجَّةٍ، كأن يكون لتعصب مذهبي، أو هوى، أو نحو ذلك، فيغلّظ وينكر على صاحبِهِ، إذ العِبْرة في المخالفة بالحُجَّة، لا بسواها.
ومن أمثلة هذه المسائل الاجتهادية ما ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ نادى في أصحابه يوم انْصَرَفَ عن الأحزاب: أنْ لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ الظهرَ إلاَّ في بني قريظة، فتخَّوفَ ناسٌ فوتَ الوقتِ فَصَلُّوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله ﷺ وإنْ فاتنا الوقتُ.
قال: فما عنَّفَ - أي النبي ﷺ واحدًا من الفريقين.
هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري «العصر» بَدَلَ «الظهر» (١).
ففي هذا الحديث نرى اختلاف الصحابة ﵃ في فهم النصِّ الذي سمعُوه من النبي ﷺ، فاكتفى كلُّ فريقٍ بذكر مستنده في توجيه النصِّ ودلالته، فلما لم يقنعْ كلُّ واحدٍ من الفريقين بفهم صاحبه عمل كلُّ واحدٍ منهما بما تبيَّن أنه الحقُّ عنده.
ولم يحصل لومٌ ولا تعنيف من بعضهم لبعضٍ، ولا من صاحب الشريعة ﷺ لهم.
وهذا له نظائر كثيرة - في المسائل الاجتهادية - في سير الصحابة وتابعيهم يطول حصرها.
(١) البخاري (٧/ ٤٠٧ - فتح) ومسلم (١٢/ ٩٧ - نووي).