ولما بلغ الأمير شمس الدين أن عساكر الإمام قد أزمعوا على غزو مأرب بلغ عنده كل مبلغ، فأرسل إلى أسد الدين محمد بن حسن يستنهضه فلم يساعده وأمر إليه من أطراف جنده جماعة قليلة(1) فاستنهض الأمير شمس الدين بهمدان وغيرهم فلم يحتمل معه أحد، وصعب الأمر على أصحابه فما برح بهم [بعد](2) اللتيا واللتي حتى خرج منهم جماعة من الحمزيين واخدامهم فاجتمعوا نيفا وعشرين فارسا وثلاثين راجلا وتصوروا أنهم إذا وصلوا أحلافهم من أهل الدربين فإن الخيل يجتمع معهم عددا كبيرا وأن أحدا لا يقوم في وجوههم. فلما علم بقدومهم الأمير أبو المظفر سليمان بن يحيى والأمير حسام الدين محمد بن فليتة، ومن اجتمع معهما من العساكر، قالوا(3): حسبنا الله ونعم الوكيل نحن نتقدم على اسم الله ونرجوا النصر ببركة إمامنا ونحن على كل حال غالبون، فتقدم العسكر المنصور إلى أن شاهدوا[428] درب مأرب، ووصل القوم من صنعاء في ذلك اليوم وخاف العسكر المنصور أن يضر بهم الضمأ عند القتال، فأتاهم الله بسيل حصل ليس بالكبير القدر، [الذي](4) يشربون، ونهضوا فحطوا قريبا من الدربين، وحطوا بما غطى الفضاء من الإبل فرعوا زراعة كانت هنالك وضربوا البيوت وعند ذلك أيقن أهل الدربين بالمناجزة، فدعوا إلى السلم والخطاب فساعد الأميران إلى ذلك، وخرج من شيوخ الدربين من خرج، فلما رأو رغبة الأميرين في تغطيتهم اعتقدوا أن ذلك عجز عن حربهم فأمروا إليهما أنا لا نساعدكم فافعلوا فيمن معكم منا ما بدا لكم، فأجمع الرأي على الحرب، فلما كان من الغد شرع الناس للقتال، فخرج الأمير حسام الدين من ناحية، وخرج ولده سليمان من ناحية، وخرج الأمير الكبير أبو المظفر ومن معه من العسكر ناحية، وهي معظم القتال، وكان جل من معه من الرجالة الأجواد الصيد وسار كل من ناحيته وقد [تسرع](5) القوم في دربهم وبرز الحمزيون بين الدربين ليكونوا مادة إلى الجهتين وكان يوما شديدا.
ثم سار الأمير أبو المظفر قدما قدما، وقال لأصحابه: إياكم والكر والفر ولكن سيروا مجتمعين حتى لايرى فيكم العدو خللا فيطمع فيكم. وحمل الحمزيون فيمن معهم على الناس فلم يتزحزح الناس عنهم، فلما رأوا أمرا لم يكن لهم في حساب عيوا بأمرهم وعلموا أنهم مغلوبون.
وقد كان الشريف الفاضل المجاهد منيع بن محمد الحرابي حمل في شارع من شوارع الدرب في نهج الأمير حسام الدين فصرع وقتلوه، فلما رأى العدو شدة المسلمين لم يبق فيهم بقية، فحمل كل من عسكر الحق في جهته، وصار الحمزيون في أنفسهم لا يدرون أين يتوجهون، فرموا بأنفسهم نحو المشائخ الجنبيين فلحقهم من لحق من الجنبيين فخفروهم وأجاورهم على أرواحهم، وأخذوا أفراسهم وأذراعهم، وصاح أهل الدربين بالذمة، فلم ير الأميران إلا الذمة لأجل محبة الجنبيين لذلك، ورغبتهم فيما يأخذون فأذموا لهم على مال حملوه وهو مائة فرس ونيف وأشياء أخرى.
وأقام الأميران ومن معهما أياما حتى استوفوا من القوم ما شرطوه وسلموا للجنبيين أكثره ورأوا تألفهم به أولى، فشكر أمير المؤمنين -عليه السلام- فعلهم وأثنى عليهم. وكان الإمام -عليه السلام- في تلك المدة واقفا في حوث، لا يترك الخروج إلى مسجد الجامع لقضاء الحوائج، ومن بعد العصر يحضر العلماء والأفاضل فيباحثونه في مشكلات المسائل ويسمع شيئا في الآثار النبوية ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم حدود الله وكانت أيامه -عليه السلام- في تلك الناحية عيدا في الأيام(1).
مخ ۳۷۸