ثم نهض -عليه السلام- إلى الجوف في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة، فأمسى في بلاد بني قيس، ثم في حوث، ثم نهض إلى الجوف في أول شهر ذي الحجة فأمسى في خيوان، ثم في الباطنة، ثم حط في الزاهر، وأقبل إليه قبائل الجوف من آل دعام(2)، وقبائل دهمة وغيرهم، وأقبل إليه الشرفاء الأمراء آل أحمد بن جعفر من مدينة براقش بالخيل والعدد، وكذلك قبائل بني منبه آل جحاف، وآل عزان منهم من أتاه طوعا ومنهم من أتاه كرها، وأقبل إليه السلطان بدر بن محمد صاحب بيحان(3) وقبائل نهم وشيوخ جنب وقبائل مأرب، فاجتمع عنده عسكر عظيم وأتته الأرزاق من كل ناحية، فأنفقها في سبيل الله. وكان في خلال إقامته بالجوف لزم عبدالله بن الأديب، وكان قد أبلغ في أذية الإمام والفساد في البلاد، واختلف إلى العدو وجمع بينه وبين الأمراء الحمزيين، وذلك أنه خرج من ظفار هو والأمير علي بن وهاس يريدان حصن ظفر، ثم تقدم(4) ابن الأديب إلى صنعاء للفساد على الإمام -عليه السلام- والاستنصار(5) بالغز، وذكر أنه كان عازما على الخروج إلى ديار مصر ليستنصر بأهل مصر على الإمام -عليه السلام-، فلما علم بخروجه وقد أمسى في موضع يسمى (الركية) في بلاد بني علي لم يشعر إلا بالعسكر وقد أحاطوا بهم فأخذوه أسيرا هو والأمير علي بن وهاس، وجماعة معهما فأطلق الأمراء آل يحيى بن حمزة الأمير علي بن وهاس ووصلوا بعبدالله بن الأديب فأمر الشيخ أحمد بن محمد الرصاص بإهانته، وكان الرصاص حينئذ حالا في ذيبين.
قال مؤلف سيرة المهدي -عليه السلام-: أخبرني عبدالله بن الأديب بقضية للرصاص عجيبة، فلم أحمله على صحة، فلما جرى من الرصاص ما جرى غلب على ظني صدقه، وهو أنه أقسم بالله العظيم اليمين البالغه أنه سلم إلى بعض العلماء جعلا في إبطال[387] إمامة الإمام أيام قيامه، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ثم أمر به الإمام -عليه السلام- إلى حصن ذروة فأقام أياما، ثم استدعى به الإمام إلى الجوف، ثم رأى إعادته إلى ذروة، فلما استفتح الإمام [عليه السلام](1) مدينة صعدة أمر بضرب عنقه قبل أن يتم بينه وبين الأمير شمس الدين أحمد بن المنصور كلام، وكان للرصاص في قتله عناية عظيمة، كأنه خاف أن يكشف ستره إن سلم والله أعلم(2).
خبر نهوضه -عليه السلام- من الجوف إلى صعدة:
لما علم الأمير شمس الدين أحمد بن المنصور أن الإمام -عليه السلام- غير متأخر عن صعدة، وجه الأميرين الكبيرين محمد بن حمزة بن الحسين من آل يحيى بن حمزة، وجعفر بن أبي جعفر بن محمد من آل الحسين بن حمزة للخطاب والتلطف للإمام فأحسن الإمام مقابلتهما وطول عليهما الكلام وهما عند الإمام كالجاسوسين، وقد عرف الإمام ذلك وعمل بحسبه.
مخ ۲۶۴