اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (5) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى ) [الحج : 5 6]. كما أحيا الأرض بعد همودها ، (1) وكذلك الله لا شريك له فموجود بما ذكر من الخلائق ووجودها ، لا ينكر (2) إلا بمكابرة ولا يجحده ولا يدفعه ، من دله على صانع من الصانعين ما كان وإن غاب صنعه.
ألا ترى يا بني : أن من رأى كتابا علم أن له كاتبا ، وإن كان من كتبه عنه غائبا ، وكذلك من رأى أثرا ، أو صورة ما كانت أيقن أن لها مصورا ، أو سمع منطقا علم أن له ناطقا ، وكذلك ما يرى من هذا الخلق العجيب فقد يوقن من نظر وفكر أن له خالقا ، ليس له مثل ولا شبيه ، كما ليس بين صنعه وصنع غيره تمثيل ولا تشبيه ، (3) كما قال سبحانه : ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) [الحج : 73] ، (4) يخبر تبارك وتعالى أن لن يفعل أحد فعله ، وكيف يفعل ذلك من ليس له بمثال ، (5) وإنما يكون تشابه الأفعال بين النظراء والأمثال.
وفيما وقف الله تبارك وتعالى عليه الإنسان بيانا ، من رؤيته لصنع (6) الله فيه وخلقه له عيانا ، قوله سبحانه : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ). والنطفة فهي : الماء المهين ، ( فإذا هو )، بعد أن كان نطفة وماء مهينا ( خصيم مبين ) (77) [يس : 77] ، والمهين فهو المهان ، الذي لا قدر له ولا شان ، وكذلك النطفة في صغرها ، ومهانتها وقذرها. وخلق الله لها فهو تهيئته (7) وتصريفه جل ثناؤه إياها ، الذي قد رآه من الناس كلهم من رآها ، من نطفة وماء مهين إلى علقة ، ومن علقة إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة ، وتخليق المضغة فهو تهيئتها ، وتقدير الصورة الآدمية لها وتسويتها ، التي لا
مخ ۲۸۸